يذهب إلى الداعي، وقد يمكنه بمشقة شديدة، وقد يمكنه بمشقَّة عاديَّة، وقد يمكنه بغير مشقَّة، وقد قال الله عزَّ وجلَّ:{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}[خواتيم البقرة].
فقد يُقال: إنَّ من بلغه الخبر ولم يظهر له صدقه أو ظهر له صدقه ولكن كان هناك ما يظهر منه كذب المدعي كفاه أن يتبين ويتثبت، فيسائل كُلَّ من يَقْدَمُ من الجهة التي أُخْبِرَ بأنَّ الداعي فيها ويأمر مَنْ يذهب إليها أن يبحث ويسأل؛ فإذا قوي الخبر ولم يظهر ما يظهر منه كذب المدَّعي لزم مَن بلغه الخبر أن يبادر إلى التبيُّن كأن يرسل رسولًا إن شقَّ عليه ذهابه بنفسه؛ فإذا تحقق الخبر وظهر ما يدلُّ على صدق المدَّعي لَزِمَتِ المبادرة إليه، إلَّا أنه فيما يظهر يكفي القبيلةَ وأهلَ البلدة أن يوفدوا وفدًا ممن عُرِفَ بالعقل والحلم وقبول الحق.
وإذا كان المدَّعي نبيًّا حقًّا فلا بدَّ أن يظهر للذين يجتمعون به راغبين في الحق أنه صادق، أو على الأقلِّ يترجَّح لهم صدقُه، ويعلمون أن الذي يدعو إليه خير مما هم عليه، فيلزمهم إجابته حتمًا، وكذلك القبيلة إذا رجع إليها وفدُها، فإن الأخذ بالراجح واجب، قال تعالى:{وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ}[الشورى: ١٦].
فإنه إذا استجاب جماعة لمدَّعي النبوة في حين إمكانها كان ذلك مما يدل على صدقه، فيتحتَّم على مَن سمع به الاجتماعُ به أو إيفاد الوفد كما تقدَّم، فإذا اجتمعوا به راغبين في الحق فهم مجاهدون في الله محسنون؛ فلا