بدَّ أن يهديهم الله بأن يهيِّئ لهم ما يفيدهم اليقين أو الرجحان، قال تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ (٦٨) وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (٦٩)} [خاتمة العنكبوت].
وأنت ترى أن بين بلوغ الخبر ووجوب الإسلام مسافةً قد يموت الإنسان في أثنائها، أعني بعد أن أدَّى ما يلزمه من البحث عن صحة الخبر وما بعده، وقبل أن يلزمه الإسلام. والظاهر أن حكمه فيها كحكمه قبل بلوغ الخبر؛ فإن بلوغ الخبر إنما أوجب عليه البحث وما بعده كما مر، وقد فعل ذلك، فيبقى فيما عداه على ما كان عليه، فإن كان معذورًا كمن لم تبلغه قبلُ دعوةٌ أصلًا استمرَّ عذره. وكذلك من كان قد بلغته دعوة فأخذ بما يلزمه منها واستمرَّ على ذلك عند بلوغ خبر الدعوة الأخرى مع القيام بما لزمه من البحث ونحوه، فمات قبل أن يلزمه الإسلام، والله أعلم.
وأما الطبقة الثالثة: فإنَّ من الذين يسلمون من يكون قد حصل له اليقين قبل قبول الإسلام أو معه فيجتمع له الإسلام والإيمان، ومنهم من يسلم قبل أن يدخل الإيمان في قلبه، [ز ٢٧] كالأعراب الذين أنزل الله تعالى في شأنهم: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٤) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا} الآيات [خاتمة الحجرات].
فهذا الضرب عليهم الطاعة والمتابعة وتحري مجالسة الرسول أو علماء دينه ونحو ذلك مما من شأنه أن يَكْسِبَهم الإيمانَ كتدبُّر القرآن والسنَّة والسيرة. ومعاملةُ النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم للأعراب تدلُّ أنه إنما