للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسلمين فلا يكفرون بذلك" (١)، ثم ذكر تأويلات أخرى.

وللسنوسيِّ في شرح مسلمٍ كلامٌ لا بأس به، حاصله أن الرجل لم يجحد أن لله قدرة ولم يشك في ذلك، وإنما شك في إعادة الجسم إذا فُعِلَ به كما أمر، فطمع أن تكون من المحال الذي لا تتعلق به القدرة (٢).

أقول: أما قول الخطابيِّ: (إن الرجل لم ينكر البعث) فحقٌّ، ولكنه شكَّ فيه. أما البعث في القبر بمعنى إعادة الإحساس بحيث يحس بالعذاب فشكَّ فيه فيمن فُرِّق جسده تلك التفرقة، وأما البعث للقيامة فالرجل إما جاهلٌ به البتَّة، وإما شاكٌّ فيه مطلقًا، لأن الأبدان لا بدَّ أن تتفرَّق تلك التفرقة أو أشدَّ منها، وإن لم تحرق وتسحق وتذرى (٣).

وأما قول ابن قتيبة: (قد يغلط) إلخ، فإن أراد أنهم لا يكفرون البتَّة فمردودٌ عليه، وإن أراد أنه قد يكون منهم الجاهل الذي لم تقم عليه الحجَّة، ولم يقصِّر تقصيرًا هادمًا، فهذا حقٌّ على ما سمعت وتسمع.

وأما أن الرجل لم يجحد القدرة جملةً ولم يشكَّ فيها مِنْ أصلها فحقٌّ، ولكنه قد شكَّ في تناولها لإعادة البدن الذي يفرَّق مثل تلك التفرقة، وفي شكه هذا تجويز للعجز على الربِّ عزَّ وجلَّ، وتجويزه أن تكون تلك الإعادة من المحال الذي لا تتناوله القدرة لا يَدْفَعُ تجويزَه العجز.

وإيضاح ذلك أن الإنسان قد يشاء أن يقتل الأمير فلا يقدر عليه، وقد لا


(١) تأويل مختلف الحديث ٨١. والعبارة فيه: "ولا يحكم عليهم بالنار".
(٢) راجع شرح مسلم للأُبِّي والسنوسي ٧/ ١٦٠. [المؤلف]
(٣) كذا في الأصل، والصواب حذف الألف آخره.