يشاء وهو يقدر، وقد لا يشاء وهو لا يقدر، فالأول هو العاجز ولا يدفع عنه اسم العجز إعراضه عن المشيئة لعلمه بعدم قدرته، بل المدار في انتفاء المشيئة على انتفاء الباعث عليها، أو وجود مانع غير العجز. فالمحالات التي لا تتعلق بها قدرة الباري عزَّ وجلَّ كلها من قبيل الضرب الثالث، ولكن لا يجوز أن يصرَّح فيها بنفي [ز ٢٩] القدرة، كأن يُقال:"لا يقدر على كذا"؛ لأن هذه العبارة توهم الضرب الأول، ولأن العقل مما يخطئ فيزعم ما ليس بمحالٍ محالًا، بل يُقال: إنه على ما يشاء قدير، فلو شاء كذا وكذا قدر عليه.
يُقال: هل يقدر الله عزَّ وجلَّ بعد تعذيب ثمود أن يرفع ذلك العذاب فيجعله لم يقع؟ فنقول: إنه على ما يشاء قدير، فلو شاءه قدر عليه. فيقال: ولماذا لا يشاؤه؟ فنقول: لا حكمة تدعو إليه، قال تعالى: {فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا (١٤) وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا (١٥)} [خاتمة سورة الشمس]، أي لا يخاف عقبى تلك القضية وهي تعذيبهم.
قال بعض المتأخرين: فيه إشارة إلى الردِّ على اليهود الذين يقع في كتبهم نسبة الندم إلى الله تبارك وتعالى. أقول: حاصله أنه سبحانه لا يخاف أن يبدو بعد ذلك أن الحكمة تقتضي عدم تعذيبهم؛ فإنه سبحانه عالم الغيب والشهادة، فهو يعلم أن الحكمة في الحال والمآل تقتضي تعذيبهم.
إذا علمت هذا فتجويز عدم القدرة على إعادة الأبدان بعد تفرُّق أجزائها هو من الضرب الأول؛ لأنَّ عدل الله تعالى وحكمته يقتضي الجزاء، وذلك يقتضي أن يشاء الجزاء، وإذا كان الجزاء يتوقف على الإعادة (١) اقتضى ذلك