الأجزاء المتفرقة وقادر على جمعها، فتتطلب نفسه مما تعرفه بالحس نظيرًا لذلك العلم وتلك القدرة فلا تجد، فأما المؤمن فإنه يوقن بصدق الخبر ولكنَّ نفسه قد لا تكفُّ عن نزاعها اشتياقًا إلى معرفة الكيفية، فإذا لم تجد نظيرًا عادت تنظر في الخبر فتجده قاطعًا فترجع إلى تطلُّب النظير وهكذا.
فإذا أحسَّ الإنسان من نفسه بهذا خشي ألَّا يكون موقنًا، فالنفس تضطرب اشتياقًا إلى معرفة الكيفية، والقلب يضطرب خشية من ضعف اليقين، وقوة اليقين لا تدفع هذا الاضطراب بل تزيده؛ لأنه كلما قَويَ اليقين قويت الخشية فاشتدَّ الاضطراب. فهذه والله أعلم كانت حال الخليل عليه السلام، ففزع إلى ربه عزَّ وجلَّ أن يريه كيف يحيي الموتى فتسكن نفسه ويطمئن قلبه من ذلك الاضطراب المؤلم.
وما حُكِيَ عن بعض الصِّدِّيقين من قوله:"لو كُشِفَ الغطاء ما ازددتُ يقينًا"(١)، إن صحَّ فلا إشكال فيه؛ إذ قد يُقال: إن الخليل عليه السلام لم يطلب زيادة اليقين ولا ازداد بالرؤية يقينًا وإنما سكنت نفسه واطمأن قلبه من ذلك الاضطراب الذي لا ينافي كمال اليقين بل يناسبه كما مرَّ، بل قد يكون في هذه المقالة دلالة على أن حال قائلها دون حال الخليل عليه السلام؛ لما قدَّمنا أن قوَّة اليقين تثمر قوَّة الخشية، وقريبٌ من هذا حال أبي بكرٍ مع النبيِّ
(١) اشتهرت نسبة هذا القول إلى عليِّ بن أبي طالب رضي الله عنه، قال الآلوسي: "موضوع لا أصل له في كتب الحديث الصحيحة عند الفريقين" يعني: السنة والشيعة. ونسبه أبو طالب المكي إلى عامر بن عبد الله بن عبد قيس. انظر: قوت القلوب ٢/ ١٦٩، وانظر: المصنوع في معرفة الحديث الموضوع ص ١٤٩، ومختصر التحفة الاثني عشرية ص ٣٩.