للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الرابع: ما تدركه بدليل غير الحس ولا تعرف له نظيرًا، كهذا المثال السابق لو لم تشاهد الواقعة. فمَن لم يشاهد المشعوذين ويَكْثُرْ سماعُه لقصصهم إذا أخبره جماعةٌ يحصل بخبرهم القطع عادة بهذه الواقعة لا يزال يجد نفسه كأنها تتردَّد في قبول خبرهم.

وأوضح من هذا أن تفرض أنَّ إنسانًا ولد أعمى وعاش حتى كبر وأهله يتحامون أن يشعروه بأن الناس يبصرون فعاش لا يشعر بذلك البتة، ثم تعمِد أنت فتقول له: إني أبصر الأجسام البعيدة منِّي، فإنه يقول: ما معنى قولك أُبْصِرُ؟ أتريد أنك تلمسها أو تسمع حسَّها؟

ولنفرض أنك استطعت أخيرًا أن تُفْهِمه أنَّ الإبصار قوَّةٌ في العينين يدرك بها الأجسام من بُعْدٍ فيعرف قربها وبعدها وحجمها ويعرف أن ذاك فلان وذاك فلان، فإنه يقول: وما لي لا أدرك أنا؟ فتقول: لم تُخْلَقْ لك هذه القوة، فلا تجده يصدِّقك، فتقول له: فإذا جاء أحد فاسأله، فيجيء رجل فيسأله فيوافقك، ثم ثالث ورابع وخامس إلى أن يبلغ العدد مبلغًا يحصل بخبرهم القطع عادة، فإن الأعمى يصدِّقكم، ثم تنازعه نفسه فيتطلب نظيرًا للإبصار يعرف به كيفيته في الجملة، فلا يجد، فيكاد يرتاب في الخبر، ثم يقول: من المحال أن يتوارد هؤلاء كلُّهم على الكذب، ثم تنازعه نفسه ويتخيَّل كأنَّه مرتابٌ في الخبر.

واعلم أنَّ صفات الله تبارك وتعالى وكثيرًا مما أخبر به الشرع من هذا القبيل. ومن ذلك حشر الأجساد، فالإنسان يعلم بأنَّ الجسم يبلى وتتفرق أجزاؤه شذر مذر، ثم يخبره الشرع [ز ٣١] بأن الله تعالى يعيد الأبدان بعد موتها وبلائها وتفرُّق ذراتها، ويوضح له ذلك بأن الله تعالى عالم بمواقع تلك