أقول: قد أبعد المرمى؛ فإن الخليل عليه السلام إنما سأل أن يرى الكيفيَّة ليطمئنَّ قلبه من الخواطر.
وإيضاح ذلك أن المدركات على أربعة أضربٍ:
ما يدركه الإنسان بالحسِّ المحقَّق ويعرف له بالحسِّ نظائر ولو في الجملة، كأن ترى رجلًا في إحدى يديه أو في كلٍّ منهما إصبع زائدة، فهذا إذا رأيته رؤية محققة لم تَرْتَبْ في إدراكك إلا أن تكون سوفسطائيًا.
الثاني: ما يدركه بدليلٍ غير الحسِّ ويعرف له بالحسِّ نظائرَ، كأن يتواتر عندك أن فلانًا الذي سمعت به في إحدى يديه أو في كل منهما أصبع زائدة، وهذا أيضًا تحصل به الطمأنينة.
الثالث: ما يدركه بالحس ولكن لا يعرف له نظيرًا، كأن ترى مشعوذًا أمامه إناء مغطًّى فيكشف الإناء فترى فيه ثلاثة عصافير ولا ترى فيه غيرها، ثم يعيد الغطاء، ثم يكشفه فلا ترى في الإناء إلا ثلاث بيضات. فإذ كنت لا تعرف نظيرًا لانقلاب العصفور بيضة تجد نفسك تشكك في إبصارك أعصافير في الإناء ولم تحقق النظر ثانيًا، أم بيضات فيه ولم تحقق النظر أولًا، أم ماذا؟