للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لقوله صلى الله عليه وآله وسلم قبيل موته: "أرأيتكم ليلتكم هذه فإن [على] رأس مائة سنة [منها] لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحدٌ" (١).

هذا، والظاهر أنه يدخل في القرن الأول من أسلم في حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولم يجتمع به، وكذلك من أسلم بعده بقليل، وكذا من ولد بعده بقليل، بحيث يكون منشؤه في عهد كثرة الصحابة وظهورهم؛ فإنه يقتدي بهم، ويقتبس من أخلاقهم وآدابهم، حتى يستحكم خلقُه على ذلك. ولا مانع من أن يكون هؤلاء في القرن الأول وإن لم يكونوا صحابة.

وعلى هذا فالدرجات تتفاوت: فمَنْ وُلد بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم أقرب إلى نيل خصائص القرن الأول ممن ولد بعده بخمس [ص ٤٢] سنوات ــ مثلًا ــ وهكذا، حتى إن من ولد بعده صلى الله عليه وآله وسلم بخمس عشرة سنة أقرب إلى القرن الثاني، وقد يكون بعض من يولد متأخرًا أمكن في خصائص القرن الأول ممن ولد متقدِّمًا لأسباب أخرى، ككثرة مجالسة أفاضل الصحابة، وقس على هذا.

ومن استحكمت قوَّته في عهد القرن الأول فهو منهم، وإن بقي إلى الثاني والثالث، وهكذا. وقد يكون هذا هو السرّ ــ والله أعلم ــ في الشكِّ في أكثر روايات الحديث: أكرّر النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم "ثم الذين يلونهم" مرتين أم ثلاثًا؟ وذلك أنه بعد انتهاء قَرْنه، ثم الذي يليه، ثم الذي يليه، تبقى جماعة من أهل الثالث يعيشون في الرابع.


(١) أخرجه البخاري (١١٦)، ومسلم (٢٥٣٧) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. وما بين المعكوفات منهما.