قال:"إن مَن استوفى مجهوده مخلصًا للحقِّ فظهر له أن الحقَّ في غير الإسلام فلم يُسْلِمْ فهو معذور عند الله تعالى"، فليس في هذا القول شناعة ولا مخالفة للسلف إلا في تَوَهُّمِ الإمكان. فأمَّا مَنْ قال بالإمكان أو قضى بالوقوع كما صنع العضد ثم قضى بعدم العذر فهو المخطئ. والله المستعان.
فإن قال قائلٌ: إن آية الجهاد على ما فسَّرْتَها به تَسُدُّ باب الأعذار كلِّها لحَصْرها الأقسام في مهديٍّ ومعاندٍ ومقِّصرٍ، والمهديُّ مصيبٌ والمقصِّرُ لا يستحقُّ العذر. فعن هذا أجوبةٌ: أخصرها: أن قوله تعالى: {سُبُلَنَا} المراد بها سبل النجاة عنده سبحانه، كما قال سبحانه في صفة القرآن:{يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}[المائدة: ١٦]، والسَّلام هو السَّلامة كما نصَّ عليه أهل التفسير (١).
ومما يبيِّن ما قلناه جمعُ السبل في الآيتين، وسبيل الحقِّ في نفس الأمر واحدٌ، قال تعالى:{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ}[الأنعام: ١٥٣].
فللحقِّ في نفس الأمر سبيلٌ واحدٌ، وللنجاة والسلامة سبلٌ، أوَّلها: سبيل الحقِّ في نفس الأمر وهو المتعين بالنظر إلى أصل الدين في حقِّ المكلَّف الذي بلغته الدعوة، قال تعالى:{وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[آل عمران: ٨٥].
(١) انظر الجامع لأحكام القرآن ٧/ ٣٨٦، تفسير القرآن العظيم ٣/ ٦٣.