للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في الدعاء؛ من تعظيم الربّ، وإظهار الخضوع والافتقار، مع جَمْع المقاصد واختصار اللفظ ونحو ذلك. ولا يُعَدُّ بحفظه له والإكثار من الدعاء به مُحْدِثًا. وله أن يتلقّف الدعاء من كافر إذا رآه دعاءً حسنًا.

وعَلِمَ ابنُ مهدي أن أكثر الناس لا يُحْسِنون الدعاء، ويحتاجون إلى أن يتحَفَّظوا أدعيةَ غيرهم، [ص ٣٠] وإذا أنشأ أحدُهم دعاءً لنفسه، أو تلقَّفَ دعاءً من غيره ممن هو قريب منه لم يُؤمَن أن يكون في ذلك الدعاء مخالفةٌ للشرع باعتداء، أو وصف الله عزَّ وجلَّ بما لا ينبغي.

فرأى ابن مهدي أن تعريض العامة لتلقّف الدعاء الذي ورَدَ به الضعيف، وهو دعاءٌ حَسَن في نفسه، وليس فيه مخالفة للشرع= خير لهم من تركهم يُنْشِؤون الأدعية لأنفسهم، فربما وقعوا في المحظور.

ولم يخش ابن مهدي من العامة أن يسمع أحدهم الدعاء في الحديث الضعيف فيحفظه ويدعو به لمجرّد أنه منسوب إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ فإن العامةَ في ذلك الزمان كانوا يعلمون أن فيما يُروَى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما يثبت (١) وما لا يثبت [ص ٣١]، وكانوا أيضًا يعلمون قُبْح الإحْداث والابتداع، فلم يكن يَتَوقّع من العامة إذا رَوى لهم الحديثَ المشتملَ على الدعاء إلا أن يقول أحدهم: لا أدري أثبتَ هذا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أم لا يثبت، ولكنني أراه دعاء بليغًا موجزًا، جامعًا للمقاصد، مناسبًا لحالي، وقد علمتُ برواية العلماء له وسكوتهم عنه أنه ليس فيه ما يُنْكَر شرعًا؛ مِن اعتداء، أو وصفٍ لله عز وجل بما لا يجوز،


(١) الأصل: "ما لا يثبت" سبق قلم.