للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أنّك تركت مستحبًّا، [ص ٣٠] فأخبرني الآن كيف الاحتياط؟ أليس هو أن تترك العمل بالضعيف لئلا تقع في البدعة الحرام أو الشرك؟ ! تدبّر.

وأمّا الثاني فكذلك؛ لأنّ الضعيف إن اقتضى تركًا لما قام الدليل على أنّه واجب أو مستحب فواضح، وإن اقتضى تركًا لما قام الدليل على أنّه مباح، فَتَرْك المباح الذي قام الدليل على إباحته خوفًا من أن يكون حرامًا أو مكروهًا تدين بتركه، والتدين بما قام الدليل على أنّه ليس من الدين بدعة حرام أو شرك، قال تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ (١١٨) وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ (١١٩) وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ (١٢٠) وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [الأنعام: ١١٨ - ١٢١].

وجاء في أسبا ب النزول ما حاصله: أنّ شياطين الجن والإنس أوحوا إلى المشركين أن يقولوا للمسلمين: أمّا ما ذبح الله تعالى ــ يعنون الميتة ــ فلا تأكلون، وأمّا ما ذبحتم بأيديكم فتأكلون. وهذه شبهة قد تحمل بعض الناس على أن لا يأكل اللحم أصلاً، يقول: إذا حرم ما ذبح الله فما ذبحت أولى، وتحمل آخرين على أكل الميتة قائلين: إذا أحلّ لنا ما ذبحناه فما ذبح الله تعالى أولى، فأنزل الله تعالى هذه الآيات، وبيّن فيها أنّ كلا القولين شرك منافٍ للإيمان؛ لأنّ كلاًّ منهما تديُّن بما لم يشرعه الله عز وجل.

فإن قلت: إنّما كان التديُّن بالامتناع عن أكل ما ذبحناه وسمينا الله عليه