ممّا أحلّه لنا كفرًا منافيًا للإيمان؛ لأنّ حِلّه قطعيّ، ولا كذلك التدين بالامتناع عمّا ورد بتحريمه حديثٌ ضعيف، ولم يكن حِلّه قطعيًّا.
قلت: الفرق ضعيف؛ لأنّ الدليل الشرعي المعتدّ به يجب العمل به قطعًا، وذلك كالحديث الصحيح فإنّه، وإن كان ظنيًّا في ذاته إلا أن وجوب العمل بالحديث الصحيح مطلقًا قطعي، وكذلك سائر الأدلة الظنية المعتدّ بها شرعًا، فإنّ كلَّ فردٍ منها يرجع إلى أصلٍ من أصول الفقه، وأصول الفقه قطعية، وما كان منها ظنيًّا فإنّه يرجع إلى أصل فوقه قطعيّ من أصول الشريعة، وإنّما يتوقف عن التكفير [ص ٣١] للعذر.
وافرض أنّ رجلاً قال: أنا أعْلَم أن وجوب العمل بالحديث الصحيح أصلٌ قطعيّ من أصول الشريعة، وأعْلَم أن الحديث في حلِّ لحم الضبّ صحيح، وليس عندي ما يعارضه، ولكنّي أقول: إنّ لحم الضبّ حرام، فإنّ العلماء يكفِّرون هذا الرجل، وسيأتي نقل بعض عباراتهم.
ومنها: ما قاله ابن حجر الهيتمي في كتابه "الإعلام بقواطع الإسلام"، قال:"ووقع قريبًا أنّ أميرًا بنى بيتًا عظيمًا فدخله بعض المجازفين من أهل مكة، فقال: قال صلى الله عليه وآله وسلم: "لا تُشدُّ الرّحال إلّا إلى ثلاثة مساجد"، وأنا أقول: تُشدّ الرحال إلى هذا البيت أيضًا. وقد سُئلت عن ذلك، والذي يتّجِه ويتحرّر فيه أنّه بالنسبة لقواعد الحنفية والمالكية وتشديداتهم= يكفر بذلك عندهم مطلقًا، وأمّا بالنسبة لقواعدنا وما عُرِف من كلام أئمتنا السابق والّلاحق= فظاهر هذا اللفظ أنّه استدراك على حَصْره صلى الله عليه وآله وسلم، وأنّه ساخر به، وأنّه شَرَع شرعًا آخر غير ما شرعَه نبيُّنا صلى الله عليه وآله وسلم، وأنّه ألْحَقَ هذا البيت بتلك المساجد الثلاث في