للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الغالبُ فيه أن لا تكون من تمر الصدقة لما (١) كفّ عنها، والله أعلم.

والدليل على ذلك أنّه صرّح أنه إنّما مَنَعه عنها خشيةَ أن تكون من تمر الصدقة، مع أنّه يحتمل أن تكون [ص ٣٢] لفقيرٍ تَرِبٍ لها عنده بال، ولكن لما كان هذا الاحتمال ضعيفًا لم يعتدّ به النبي صلى الله عليه وآله وسلم. فتدبّر.

والمسلم لا يخلو أن يكون مجتهدًا أو مقلّدًا، فأمّا المجتهد فإنّه ينبغي له إذا بلغه حديثٌ لم يتبين له أصحيح هو أم ضعيف أن يتوقّف عن الحكم حتى يتبين له، ولكنّه إذا اضطر إلى العمل في تلك المسألة قبل التبيُّن عمل بحسب ما عنده من الأدلة الثابتة وأعرض عن ذلك الحديث. وعلى هذا جرى عمل الأئمة.

ألا ترى الإمام الشافعي رحمه الله تعالى كثيرًا ما يبلغه الحديث لا يعلم صحَّتَه فيجزم بالحكم بخلافه ثم يقول: إلا أن يصح الحديث فيؤخذ به. وقد جمع الحافظ ابن حجر في ذلك كتابًا سماه "المنحة فيما علّق الشافعيُّ القولَ به على الصحة". ولكن إذا كان ذلك الحديث يقتضي تحريمًا فقد قال إمام الحرمين في حديث المستور: يجبُ الانكفاف حتى يتبين (٢). ونازعه ابنُ السبكي بأنّ اليقين لا يزال بالشك (٣). وفي "فتح المغيث" عن الحافظ ابن حجر ما يوافق إمام الحرمين، وأنّ ذلك ما دام يُرجى التبيُّن، فأمّا إذا يئس منه فلا يجب الانكفاف، وتنقلب الإباحة كراهية. وتردد السخاوي في معنى انقلاب


(١) الأصل: "كما" سهو.
(٢) في "البرهان": (١/ ٦١٤).
(٣) في "جمع الجوامع ــ مع حاشية العطار": (٢/ ١٧٦).