للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الإباحة كراهية، أإثبات للكراهية هو أم نفي لها. "فتح المغيث" ص ١٣٨ (١).

وأقول: الظاهر أنّه إثبات لها، أي: أنّ ذلك الشيء الذي كان قبل سماع الحديث باقيًا على الإباحة الأصلية يصير بعد سماع الحديث واليأس من معرفة حال راويه مكروهًا احتياطًا، جرى الحافظُ في هذا على ما تقدم عن النووي. والذي أراه أنّ المجتهد إذا سمع حديثًا يقتضي تحريمًا من مستور، وهو يستطيع البحث عن حاله عن قُرْب؛ فالظاهر ما قاله إمام الحرمين وتبعه الحافظ من وجوب الانكفاف والبحث. وإذا بحث ولم يتبين له ولكنّه يرجو أن يتبين له في المستقبل، فالظاهر استحباب الانكفاف احتياطًا لبقاء الشبهة. فأمّا إذا ترجّح أنّ ذلك المستور لا سبيل إلى معرفة حاله فلا يستحب الانكفاف، بل يحرم الانكفاف لأجل ذلك الحديث؛ لأنّه قد تبين واستقرّ أنّه ليس بحجة فلم تبق الشبهة.

وذلك مثل أن يقف المجتهد على حديث رُوي عن مستور كان قبل عصره بقرون، وتتبَّع كلام الحفّاظ في ذلك الرجل فلم يجد لهم كلامًا فيه أو وجد بعضهم قد نصّ على أن ذلك الرجل مستور.

هذا حكم المستور، فأمّا مَن قد عُلِم ضعفه فإنّه لا يقام لحديثه وزن أصلاً؛ لأنّه لما عُلم ضعفُه فقد عُلم أنّ حديثه ليس بحجة، فزال تعادل الاحتمالين الذي يتحقق به الاشتباه الداعي إلى الاحتياط. والله أعلم.

وأمّا المقلّد إذا سمع أنّ من العلماء مَن يخالف إمامَه، فالظاهر أنّه ينبغي له الاحتياط إلا أن يظفر بعالمٍ متبحِّر عارف بكتاب الله وسنة رسوله، مطلع


(١) (٢/ ٥٣ - ٥٤).