ضبطها بالعرف لاضطرابه، وقد دلَّت مسألة القصر على عدم اعتباره، ولا يُقال: كلُّ إنسان فقيهُ نفسه؛ لأن ذلك يؤدِّي إلى تساهل أكثر الناس وتسامحهم.
الوجه الثاني: أن من المشاقِّ الشديدة ما ألغاه الشارع وكَلَّف بما هو فيه، مِنْ ذلك تكليفُ الكافر بالإسلام مع أنه يشقُّ عليه مشقَّةً شديدةً أن يَدَعَ دينًا قد أَلِفَهُ واعتاده وأدرك عليه آباءه وأجداده. ومِنْ ذلك تكليف مَنْ هام بامرأة وصادفها في خلوةٍ وتمكَّن منها أن لا يَقْرَبَها مع أنه يشقُّ عليه الانكفاف عنها مشقَّةً شديدةً. ومِنْ ذلك تكليفُ مَنْ أدمن الخمر في كفره ثم أسلم بأن يجتنبها، واجتنابها بدون تدريجٍ يشقُّ عليه مشقَّةً شديدةً.
والجواب عن الوجه الأوَّل بتسليم الإجمال في الجملة، ولكن الشريعة قد تضمَّنَتْ ما يُرْشِد إلى التفسير، ولكنها ترَكت مجالًا للاختلاف لحِكَمٍ عديدةٍ، منها: ما تقدم في الأصل الثاني. ومنها: ما سيأتي في الكلام على التقليد. ومنها: توسعة المجال لاجتهاد أهل العلم ليعظم ثوابهم. ومنها: تركُ مُتَّسَعٍ لاحتياط أهل التقوى من أقوياء المؤمنين ليأخذوا أنفسهم بالورع والتوقِّي فيعظم أجرهم ويُعْرَف فضلهم، وللضعفاء ليمكن لهم الترخُّص بدون المعصية، ولو شُدِّد عليهم لرموا بأنفسهم في المعصية. ومنها: تهيئة سبيلٍ لحسن ظنِّ المسلمين بعضهم ببعضٍ فيرى المتشدِّد أن للمترخِّصِ وجهًا وسبيلًا.
والجواب عن الوجه الثاني: أن المشقَّة في الأمثلة المذكورة ونحوها ليست بشديدةٍ إلى حدِّ الخروج عن الوُسْع، نعم إنها تقارب ذلك وربَّما اعتدَّ الشارع بأخفَّ منها، ولكن الشارع قد يُلْغِي المشقَّة التي ربَّما يظهر أنها