للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أضف إلى ذلك ما كان أحمد يستقبل به عتاب ابن معين كقوله: "إن أردتَ الفقهَ فتعال فالزم ذَنب هذه البغلة". وغير ذلك من الكلمات التي مِن شأنها أن تزيد في حَنَقِه (١).

فإن قيل: فإذا كان هناك نُفرة كما وصفتَ، فماذا عليكم من أن تصح تلك الكلمة عن ابن معين، فتجيبوا عنها بنحو ما أُجيب عن كلام النسائي في أحمد بن صالح، بل قد يكون الجواب عن هذه أظهر؛ لأنه قد رُوي عن ابن معين نفسه ما يخالفها، بل يمكنكم أن تقولوا: تلك الكلمة جرح غير مفسَّر فلا يُعتَدّ بها في مقابل توثيق الجمهور.

قلت: الأمرُ كما وصفتَ، ولكن الباعث على الشكّ في صحّتها أن هناك أمورًا تخدش في ذلك كما تقدّم، وأن القول بصحتها يقتضي التشنيع على ابن معين عند أهل العلم لمخالفته الجمهور بلا حجة ولا شبهة، حتى حَمَل ذلك ابن عبد البر المالكي على أن يقول ما تقدّم في حق ابن معين (٢).

وإذا كان الغضّ من ابن معين بغير حق واضح فدَفْعه عنه أوجب علينا من دفع مثله عن الشافعي؛ لأن الطعن في ابن معين أضرّ على السُّنَّة وأرْوَج للبدعة؛ فإنه يفتح لأهل البدع البابَ إلى ردِّ كثير من الأحاديث والآثار الصحيحة، وتقوية كثير من الموضوعات والواهيات والضعاف؛ يقول أحدهم في الراوي: إنما وثَّقه أو إنما صرّح بجرحه ابنُ معين، وقد طعنتم فيه.


(١) زاد في "التنكيل": (١/ ٧٢٥): "وقد كان الشافعيّ حَسَن الظنّ بإبراهيم بن أبي يحيى يكثر الرواية عنه، وابن معين والجمهور يكذّبون ابنَ أبي يحيى".
(٢) (ص ٣٢ - ٣٣).