للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فحصل له اليقين. «وأما المرتاب فيقول: لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئًا فقلته»، ولا يخفى أيُّ الرجلين المقلِّد؟

وقد دلَّت هذه الأحاديث على توُّقف النجاة على اليقين، واليقين هو العلم القطعيُّ اتِّفاقًا. قال الراغب: «اليقين من صفة العلم فوق المعرفة والدراية وأخواتها» (١).

وبالغ الغزاليُّ في المستصفى فخصَّه، فقال في صفة النفس الموقنة [ب ٣٠]: « ... بل حيث لو حُكي لها عن نبيٍّ من الأنبياء أنه أقام معجزة وادَّعى ما يناقضها، فلا تتوقَّف في تكذيب الناقل، بل تقطع بأنه كاذبٌ أو تقطع بأن القائل ليس بنبيٍّ، وأنَّ ما ظنَّ أنه معجزة فهي مَخْرَقَة (٢). وبالجملة/فلا يؤثر هذا في تشكيكها، بل تضحك من قائله وناقله. وإن خطر ببالها إمكان أن يكون الله قد أطلع نبيًّا على سرٍّ به انكشف له نقيضُ اعتقادِها فليس اعتقادها يقينًا، مثاله: قولنا: الثلاثة أقلُّ من الستة، وشخصٌ واحد لا يكون في مكانين، والشيء الواحد لا يكون قديمًا حادثًا موجودًا معدومًا ساكنًا متحرِّكًا في حالة واحدة».

ثم قال: «الحالة الثانية: أن تصدِّق بها تصديقًا جازمًا ولا تشعر بنقيضها البتة، ولو أُشعرت بنقيضها تعسَّر إذعانها للإصغاء إليه، ولكنها لو ثبتت وأصغت وحُكي لها نقيض معتقدها عمَّن هو أعلم الناس عندها كنبيٍّ أو صِدِّيق أورث ذلك فيها توقُّفًا، ولْنُسَمِّ هذا الجنس اعتقادًا جزمًا، وهو أكثر اعتقادات عوامِّ المسلمين واليهود والنصارى في معتقداتهم وأديانهم، بل


(١) مفردات ألفاظ القرآن ٨٩٢.
(٢) ما عُمِل بتمويهٍ وخداعٍ. انظر: تاج العروس، مادَّة (مخرق).