للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اعتقاد أكثر المتكلمين في نصرة مذاهبهم؛ فإنهم قبلوا المذهب والدليل جميعًا بحسن الظن في الصِّبا، فوقع عليه نشؤهم؛ فإنَّ المستقلَّ بالنظر ــ الذي يستوي ميلُه في نظره إلى الكفر والإسلام ــ عزيزٌ.

الحالة الثالثة: أن يكون لها سكونٌ إلى الشيء والتصديق به وهي تشعر بنقيضه، أو لا تشعر ولكن لو أُشعِرت به لم ينفر طبعها عن قبوله، وهذا يُسمَّى ظنًّا، وله درجاتٌ .... » (١).

أقول: وفيما قاله نظرٌ؛ فإنَّ الحسَّ والمشاهدة تفيد العلم اليقين، ومع ذلك فقد تشكَّك فيها الحكماء السوفسطائيُّون (٢) كما هو معروفٌ، ومن تأمَّل شُبَههم قد يعرض [له] توقُّفٌ ما. وقال تعالى: ... (٣) وجلُّ أو كلُّ البراهين على الأصول الدينيَّة مبنيَّةٌ على المحسوسات، ومع ذلك يرد على البناء شبهاتٌ عديدةٌ. ولوصحَّ ما قاله لما وُجِد مؤمنٌ موقنٌ إلَّا أن يكون من الملائكة والنبيِّين، وهذا باطلٌ قطعًا. والحقُّ أن اليقين لا يختصُّ بما ذكره، بل يعمُّ كلَّ اعتقادٍ جازمٍ عن دليلٍ قاطعٍ كالحسِّ والمشاهدة وما ينبني عليهما انبناءً واضحًا، وأنَّ إمكان التشكيك لا يدلُّ على عدم سبق اليقين. وقد قدَّمنا تحت عنوان: (شبهةٌ وجوابها) ما يصحُّ إيراده ها هنا.

ونحن نرى كثيرًا من الناس يتعقَّلون البراهين القطعيَّة، ومع ذلك لا يزالون مرتابين لغلبة الهوى والتقليد عليهم. فالحقُّ أنَّ مَن تعقَّل البرهان


(١) المستصفى ١/ ٤٣ - ٤٤. [المؤلف]
(٢) هم أهل السفسطة القائمة على مبدأ الشك في الموجودات. انظر الموسوعة الفلسفية العربية ١/ ٤٨٠، المعجم الفلسفي ١/ ٦٦٠.
(٣) وضعُ النُّقَط من المؤلِّف.