للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عليه وآله وسلَّم استند إلى اجتهاده، كما راجعه عمر رضي الله عنه في الصلاة على ابن أبيٍّ المنافق (١)؛ لأنَّ عمر فَهِم أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم إنما استند في ذلك إلى رأيه. ثم كان أصاغرهم يخالفون أكابرهم في أمور الدين مع احترامهم لهم، وهكذا التابعون وأتباعهم والأئمة الأربعة أصحاب المذاهب المشهورة وغيرهم يخالفون أكابر الصحابة فضلًا عن غيرهم. ولم يكن يخطر ببال العالم منهم أنَّ مخالفته مَنْ تَقَدَّمَه فيها احتقار أو سوء أدب في حقِّه، بل كان أحدهم يعترف بأنَّ مَنْ فوقه أفضلُ وأعلم منه، ولا يمنعه ذلك من مخالفته إذا ترجَّح له خلافُ قوله.

ومنها: الإخلاص، فكان أحدهم إذا سئل عما لا يعلمه حقَّ العلم لم يتوقف عن قول: لا أدري، وإذا أخطأ في شيء ثم وُقِفَ عليه لم يتوقَّف عن قوله: أخطأتُ، ولا يتكلَّم في علم لم يتقِنه، بل يقول: لا خبرة [٤٤] لي بهذا العلم، ولا يبالي بأنَّ ذلك قد ينقص مكانته في قلوب الناس ويعظم مكانة غيره من معاصريه ومخالفيه. وحسبك ما كان بين أمير المؤمنين عليٍّ وبين معاوية من النزاع، ولم يمنع ذلك معاوية أن يستفتي أمير المؤمنين عما أشكل عليه من الأحكام، كما في قضية الرجل الذي قتل آخر زاعمًا أنه وجده مع امرأته، وغير ذلك (٢).

والعلوم كالصنائع، قد يكون الرجل نَجَّارًا ولا يحسن من الصنائع


(١) انظر: البخاريّ، كتاب الجنائز، باب ما يُكره من الصلاة على المنافقين ... ، ٢/ ٩٧، ح ١٣٦٦. وصحيح مسلمٍ، كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، ٨/ ١٢٠، ح ٢٧٧٤. [المؤلف]
(٢) انظر: سنن البيهقيّ، كتاب الحدود، باب الشهود في الزنى، ٨/ ٢٣١. [المؤلف].