وغيره عن القعنبي عن سليمان بن بلال عن يحيى عن محمد عن واسع قال: كنت أصلي في المسجد وعبد الله بن عمر مُسنِدٌ ظهرَه إلى القبلة [فلما] قضيتُ صلاتي انصرفتُ إليه من شِقِّي، فقال عبد الله: يقول ناس .... "، فدل هذا على أن سماع واسعٍ من ابن عمر إنما كان في هذه الواقعة، ويبعد أن يجمع ابن عمر بين اللفظين، فقد يكون التصرف من واسع، عبَّر مرة بهذا، ومرة بهذا، أو من محمد، فحفظ عنه يحيى إحدى العبارتين، وحفظ عبيد الله الأخرى.
وأما ثانيًا: فإذا سلمنا أن واسعًا إنما أتى بإحدى العبارتين، وكذلك محمد، لأن الظاهر الرواية باللفظ، ولم يقم دليل على خلاف ذلك في حقِّ واسعٍ ولا محمدٍ، فغاية الأمر أن يرجح قول يحيى "مستقبلاً بيت المقدس" على قول عبيد الله "مستقبل الشام"؛ لأنه يبعد الإتيان باللفظين جميعًا، ولأن المعنى متقارب.
فأما قول عبيد الله: "مستدبر القبلة، أو الكعبة، أو البيت"، فهي زيادة من ثقة ضابط فوجب قبولها، فعلى هذا يترجح أن يكون أصل لفظ ابن عمر "مستقبلاً بيتَ المقدس مستدبرَ القبلةِ"، ولَأن يُظَنَّ بيحيى أنه ترك هذه الزيادة "مستدبر القبلة" أقربُ من أن يُظَنَّ بعبيد الله أنه زادها بناءً على فهمه.
أقول: هذا متجه، ولكن قد بيّنَّا أن مَن بالمدينة إذا استقبل بيت المقدس تمامًا لم يكن مستدبر الكعبة تمامًا، بل يكون منحرفًا عنها شرقًا.
فإن قلت: قد يكون أراد ببيت المقدس الشام، فإن مَن بالمدينة إذا استدبر الكعبة تمامًا، كان مستقبلاً مشارق الشام، ويكون هذا هو الحامل لعبيد الله على تعبيره بقوله: "مستقبل الشام".