قلت: قد يعكس هذا فيقال: أراد بقوله: "مستدبر القبلة" أي مستدبرًا جهتها في الجملة، فإن مَن بالمدينة إذا استقبل بيت المقدس تمامًا كان مستدبرًا القبلة في الجملة، أي: أن البيت حينئذٍ ليس أمامه، ولا عن يمينه ولا عن يساره، بل هو من خلفه مائلاً إلى يساره.
فإن قلت: يُرجِّح الأولَ قولُ ابن عمر: "إن أُناسًا يقولون ... فلا تستقبل القبلة"، وإنما يكون للقصة علاقة بهذا إذا كان فيها استدبار القبلة تمامًا، فيقاس الاستقبال على الاستدبار.
قلت: ويُرجِّح الثانيَ قولُ ابن عمر: "ولا بيت المقدس"، وإنما يكون للقصة علاقةٌ باستقبال بيت المقدس إذا كان فيها استقباله تمامًا.
فإن قلت: فما الذي يتجه؟
قلت: كلام ابن عمر يحتمل وجهين:
الأول: أن يكون قوله: "إن أُناسًا يقولون ... فلا تستقبل القبلة، ولا بيت المقدس" لم يقصد به إنكار كل من الأمرين، وإنما قصد به إنكار تسوية بيت المقدس بالقبلة، فيتحصل من هذا أنه إنما أنكر النهي عن استقبال بيت المقدس، فكأنه قال: يقولون: لا تستقبل القبلة ولا بيت المقدس، فيسوُّون بينهما، وإنما الثابت النهي عن استقبال القبلة فقط، وإلى هذا ذهب العيني (١).
الوجه الثاني: أن يكون من رأي ابن عمر أن الاستقبال والاستدبار يكفي فيهما الجهة، ولا يقدح فيه التحرف عن العين، فمَن بالمدينة إذا استقبل بيت