للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الموضع الذي رأى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قاعدًا عليه كان معدًّا لقضاء الحاجة، وإذا كان كذلك ثبت وقوع الاستدبار عند التغوط، إن لم يكن في هذه الواقعة ففي غيرها؛ لأن الموضع كان معدًّا لذلك، وفي "الفتح" (١): أنه جاء في رواية لابن خزيمة: "فرأيته يقضي حاجته محجوبًا عليه بلَبِنٍ". قال: وللحكيم الترمذي بسند صحيح: "فرأيته في كنيف".

وبهذا يندفع ما يتراءى أن من تقدم من أهل العلم أغفلوا الاحتجاجَ بما ذُكِر، واقتصروا على الاحتجاج بالواقعة التي ذكرها ابن عمر.

ثم يحتمل أن مالكًا لم يستحضر ما قدمناه من أن مَن بالمدينة إذا استقبل بيتَ المقدس تمامًا لم يكن مستدبرًا الكعبةَ تمامًا، بل يكون منحرفًا عنها إلى الشرق.

ويحتمل أن يكون استحضر ذلك، ولكنه بنى على رأيه في التوسعة في القبلة، ومثله البخاري، وأما الشافعي فيتعين في حقه الاحتمال الأول.

إذا تقرر هذا فالجواب عما يحتج به بأن ذلك الموضع كان معدًّا لقضاء الحاجة أنه يحتمل أنه يكون معدًّا للبول فقط، وعلى تسليم أنه كان معدًّا للأمرين، فالتوسعة في القبلة إنما هي إذا لم يحصل العلم أو الظن بالانحراف عن البيت، كما هو مقرر في مذهب مالك نفسه.

والحجة على ذلك واضحة؛ فإن من بالمسجد الحرام لا تصح صلاته إذا كان البيت عن يمينه أو يساره يقينًا أو ظنًّا، فكذلك من بَعُدَ، وإنما الرخصة في الصلاة والتشديد في قضاء الحاجة عند الاشتباه.


(١) (١/ ٢٤٧).