للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحديث، أو مقيِّدةٌ لإطلاقه، مع أن حديث عبادة أصله في الصحيحين (١) بلفظ: إن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب».

وأمّا اختلاف العبارتين فهذا من الرواية بالمعنى، وهو واضحٌ، وممّا يدلُّك على ذلك حديث أبي هريرة عند مسلمٍ (٢) وغيره قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «من صلَّى صلاةً لم يقرأ فيها بأمّ القرآن فهي خِداجٌ، ثلاثًا، غير تمامٍ». فقيل لأبي هريرة: إنّا نكون وراء الإمام؟ قال: اقرأْها في نفسك، فإنّي سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول: «قال الله تعالى: قسمتُ الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل ... » الحديث.

واستدلالُ أبي هريرة به من حيث إنّه قال: «قسمتُ الصلاة»، ثم فسَّرها بالفاتحة، فدلّ على أنّ الفاتحة هي الجزء الأهمُّ في الصلاة، كما في قوله: «الحجُّ عرفة» (٣)، فكيف يخفى عليه أن الحديث الذي رواه ناسخٌ لغيره؟ مع أنّ الحديث الذي رواه وذكرناه آنفًا هو عين حديث عبادة، إلا أنّه في حديث عبادة تلك الزيادة.

وقوله: «لا صلاة ... » إلخ، النفي واقع على الذات، لأن ألفاظ الشارع محمولة على عُرفه، ولا يسمّى عنده صلاة إلا الصحيح المجزئ، فغير الصحيح المجزئ لا يسمّى عنده صلاة، فنفيه حقيقةٌ، ولو سُلِّم امتناع انتفاء


(١) البخاري (٧٥٧) ومسلم (٣٩٤).
(٢) رقم (٣٩٥). وأخرجه أيضًا أبو داود (٨٢١) والترمذي (٢٩٥٣) والنسائي (٢/ ١٣٥).
(٣) أخرجه أبو داود (١٩٤٩) والترمذي (٨٨٩) والنسائي (٥/ ٢٦٤) وابن ماجه (٣٠١٥) من حديث عبد الرحمن بن يعمر الديلي. وإسناده صحيح.