الوجه الثاني: أن يحمل على نحو ما وقع في حديث عبد الله بن سَرْجَس في "صحيح مسلم"(١) وغيره أن رجلًا دخل المسجد والنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في صلاة الصبح، فصلى ركعتين وحده، ثم دخل مع الجماعة فصلى، قال: فلما سلَّم رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال:"يا فلان! بأيِّ الصلاتينِ اعتددتَ؟ أبصلاتك وحدك أم بصلاتك معنا؟ ".
فلم يكن صلاة الرجل وحدَه مَظِنةَ أنه قصد بها الفرض، ولكن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - نزَّلها منزلتَها، كناية عن أن ذلك الوقت إنما تصلح فيه الفريضة، كما صرّح به في الحديث الآخر:"إذا أقيمت الصلاة فلا صلاةَ إلا المكتوبةُ".
فيحمل قوله في حديث قيس:"أصلاة الصبح مرتين" على نحو هذا، بأن يقال: لم يكن هناك مظنة لإعادة الرجل صلاةَ الصبح بعد أن صلاها مع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، وإنما نُزِّلتْ منزلةَ ذلك كنايةً عن أن الوقت إنما تصلح فيه الفريضة؛ لأنه وقت كراهة.
أقول: وينبغي تدبر هذا الموضع، فإن فيه دقةً، فاعلم أن قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - للذي صلَّى بعد إقامة الصبح:"بأيِّ صلاتَيْك اعتددت؟ " يتضمن إنكارينِ:
الأول: إنكار اشتغاله بصلاة غير المكتوبة، وقد أقيمت المكتوبة. وكنى عن هذا الإنكار بتنزيل صلاته وحده منزلة الفريضة، فكأنه قال: هذا الوقت ــ أي وقت إقامة المكتوبة ــ لا تصلح فيه إلا المكتوبة، فلعلك أردتَ بصلاتك أن تكون هي المكتوبة، وهذا كما تقول لمسلم تعلم أنه مفطر في نهار رمضان بغير عذر، وقد سمعته يشتم إنسانًا: لا ينبغي للصائم أن يشتم