للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبقومه ــ وفيهم كما في «الفتح» (١) عن ابن حزم ثلاثون عَقَبيًّا، وأربعون بدريًّا ــ أن يُقدِموا على ما لا يثقون بصحته، بدون ضرورة تُلجِئهم إلى ذلك.

وثانيًا: صنيعُه ذلك كان ظاهرًا مكشوفًا، كان يصلّي مع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، ثم يصلِّي بعشيرته، وهم كثير، وكان يصلّي معهم من يمرُّ على مسجدهم من غيرهم، كما في قصة حرام. ولم يكن بينهم وبين المسجد النبوي إلا نحو ميل، ولا يمرُّ عليهم يوم إلا ويجتمع فيه جماعة منهم بالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، وكان - صلى الله عليه وآله وسلم - كثيرَ التفقُّد للأنصار، ولاسيّما في أمر دينهم، والظاهر أنهم لم يكونوا [يقررون] إمامًا في مسجد من مساجدهم إلا بإذن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -.

هب أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لم يعلم بذلك تلك المدة التي كان معاذ يصلّي فيها معه - صلى الله عليه وآله وسلم - ثم يصلي بهم قبل أن يَشْكُوه سُلَيم أو حرام، أو كلاهما، فقد علم - صلى الله عليه وآله وسلم - عند الشكوى، فلم ينكر ذلك عليهم، وإنما أنكر تأخير معاذ وتطويله، فلم ينكر عليهم صنيعهم فيما سبق، ولا بيَّن لهم أنه لا يجوز، ولا نهاهم عن مثله.

فإن قيل: فقد جاء في رواية معاذ بن رِفاعة: «يا معاذ بن جبل، لا تكن فتانًا، إما أن تصلِّي معي، وإما أن تُخفِّف على قومك» (٢).

قلت: تلك الرواية مرسلة، ولم تأت هذه الزيادة في شيء من الروايات الموصولة حتى الرواية التي يُشبِه سياقُها سياقَ هذه المرسلة، وهي رواية


(١) (٢/ ١٩٦). وانظر «المحلَّى» (٤/ ٢٣٤).
(٢) سبق تخريجها.