وأقربهم مَنْ يقول: لعلّ ذلك الصالحَ فَعَلَ هذه الأمور وهو في حال الغيبوبة عن هذا الكون، والاستغراق في أنوار التجلِّيات.
وأضرُّهم على الإسلام والمسلمين مَنْ يقول: فِعْلُ ذلك القطب لهذه الأمور يدلُّ على مشروعيتها، وأن فعلها يُقَرِّب إلى الله تبارك وتعالى [٥٥] وما خالف ذلك من ظواهر الكتاب والسنة له تأويل يعلمه أولياء الله تعالى. كيف لا وهم أعرف بالله وبكتابه ورسوله، وهم دائمًا حاضرون عند الله تعالى يُعَلِّمُهم ما لا يعلم غيرهم، ومشاهدون للوح المحفوظ, والملائكة تنزل عليهم، ويجتمعون بالنبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم متى شاؤوا.
وقد يتعدَّى بعضهم هذا الحدَّ فيقول: إن الوليَّ إذا استحسن شيئًا كان عند الله تعالى حسنًا؛ لأن الله تعالى يحبه، فيحبُّ كل ما أحبَّه.
وفي طبقات الصوفية ومناقب الأولياء قصص كثيرة مما قدَّمنا الإشارة إليه، وتجدهم عند ذكر شيء منها يُعْقِبُونه بالتعوذ بالله تعالى من سوء الاعتقاد في الصالحين ومن حرمان بركتهم، ويتأولون فعلهم بشيء مما تقدم.
واغتنم الفساقُ هذا الأمر، فصار بعضهم يتظاهر بِزِيِّ المتصوفة، ثم يفعل ما بدا له. بل اغتنم ذلك أعداء الإسلام الملحدون فصاروا يتظاهرون بِزِيِّ المتصوفة، ويستعملون الألفاظ الشائعة بين المتصوفة، ثم يصرِّحون بكفرهم وإلحادهم جهارًا، قائلين في أنفسهم: مَنْ ضل بهذا الكلام فقد اصطدناه، [٥٦] ومَنْ لم يضلَّ به فلا علينا؛ لأن من كان راسخ العقيدة في الإسلام سيحمل كلامنا على تأويلات بعيدة، أو يقتصر على زَعْم أن كلامنا على غير ظاهره، وأنه إنما يفهمه أهل الذوق والمعرفة؛ وعلى كلِّ حال فإن