رواية للبزار «لا تكن فتّانًا تَفْتِن الناس، ارجِعْ إليهم فصَلِّ بهم قبل أن يناموا ... ».
[ق ٢١] أقول: هذا تحقيق جيد، ومن الواضح جدًّا أن قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - لمعاذ:«لا تكن فتّانًا» إنما معناه: لا تكن سببًا لافتتان بعضهم بتشديدك عليهم، فكأنه قال: لا تُشدِّد عليهم.
وإن قوله عقب هذه الجملة:«إما أن تصلّي معي، وإما أن تُخفِّف على قومك» إنما هو بيان لقوله: «لا تكن فتّانًا» أو استئناف بياني، كأنه لما قال لمعاذ:«لا تكن فتّانًا» قال معاذ: كيف أصنع؟ فقال: إما ....
وهذا واضح جدًّا بدلالة المقام، وبعدم الإتيان بالواو بين الجملتين.
إذا تحرَّر هذا، فقوله:«إما أن تُصلِّي معي، وإما أن تُخفِّف على قومك» إنما هي إرشاد إلى ترك التشديد الذي هو مَظِنّة الفتنة، كما قال العثماني نفع الله به: إرشاد إلى إزالة شكواهم.
ثم هاهنا احتمالان:
الأول: أن يكون مراد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - النهي عن التأخير وعن التطويل، حتى كأنه قال: لا تُؤخِّر ولا تُطوِّل، أو عجلِّ وخفِّف. وعليه، فالظاهر أن يتضمّن قوله:«إما أن تُصلِّي معي، وإما أن تُخفِّف على قومك» النهيَ عن كلٍّ من الأمرين.
وقد تبين من الروايات الصحيحة ــ كما ذكره العثماني ــ أن التأخير إنما كان يقع بسبب أن معاذًا كان يبدأ فيصلِّي مع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، فحينئذٍ لابدّ أن تتضمّن الجملة تخييرَ معاذ بين أن يترك الصلاة بهم ليقدموا غيره ممن لا