للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قيل: مما يدلّ على تقدُّمِ هذه الصلاة على نزول الآية أنها مخالفة لظاهر الآية، فإن في الآية: {فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ} [النساء: ١٠٢]. فظاهر قوله: {فَإِذَا سَجَدُوا} الأمرُ بتأخُّرهم عقب الركعة الأولى.

قلت: قد يحتمل أن يكون صالحًا للسجود في الأولى، والسجود في الثانية، فيكون ذلك صالحًا لهذه الصفة التي فيها أنه يُصلِّي بكل طائفة مرةً.

وعلى فرض أنه صالح لها، فقد تقدم أن الصفة التي فيها صلاة الإمام بكل طائفةٍ ركعة هي من القصر الذي أباحه الله عز وجل أول هذه الآية، إذ قال سبحانه: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [النساء: ١٠١]. فقوله بعد ذلك: {فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ} إنما هو بيان لذلك القصر الذي أباحه، أو لبعض أنواعه، وإذا كان كذلك فليس الأمر لإيجاب هذه الصفة بعينها، لما علمتَ أنها بيان للمباح، بدليل اقتصاره على نفي الجناح.

ومما يدل على هذا أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قد صلَّى بعد نزول الآية صلاة الخوف بأوجهٍ أخرى، منها ما يخالف ظاهر الآية. فبان بهذا أن تلك الصلاة التي فيها أنه صلَّى بهؤلاء مرةً، وبهؤلاء مرةً، أن فرض تقدمها على نزول الآية، فليس في الآية ولا في صلاة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بعض الأحيان بحسب ظاهر الآية ما يوجب نسخَ الصفة السابقة، فتدبر! والله الموفق.