للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المغرب، كما فهمه الترمذي وتقدم بيانه، فهذا غير مخالف لعادة قومه، بل هو موافق لها , فإن ادعى أن بني سلمة كانوا كلهم يصلُّون المغرب مع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - طُولِب بالحجة.

فإن قال: قد ثبت في الصحيحين (١) وغيرهما أن بني سلمة كانت منازلهم بعيدة من مسجد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، فأرادوا أن يتحوَّلوا إلى قرب المسجد، فقال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «يا بني سلمة، ألا تحتسبون آثاركم! »، وفي رواية: «دياركم، تُحسب آثاركم».

فالجواب: أنه لا يلزم من ذلك أنهم كانوا بعد ذلك يحضرون كلهم. فإن زعمتَ ذلك فارفض الحديث من أصله، وقل: إنه لم يكن لبني سلمة مسجد، ولا صلَّى بهم معاذ قطُّ! !

فأما حديث جابر في حضورهم المغرب، فليس فيه أنهم كانوا يحضرون جميعًا، فالحق أنه كان منهم من يحضر مع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في المغرب والعشاء وغيرهما، ومنهم من يتأخر فيصلُّون في مسجدهم، كما كان شأن غيرهم من العشائر في المدينة. فقد كان بالمدينة عدة مساجد يُصلَّى فيها، والأحاديث في ذلك معروفة.

هذا، وفي «الفتح» (٢): «ولابن مردويه ... عن أبي نضرة عنه (يعني جابرًا) قال: كانت منازلنا بسَلْعٍ. ولا يعارض هذا ... لاحتمال أن تكون ديارهم كانت من وارء سَلْعٍ، وبين سَلْعٍ والمسجدِ قدرُ ميل».


(١) البخاري (٦٥٥) ومسلم (٦٦٥) من حديث أنس.
(٢) (٢/ ١٤٠).