للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عن دعوى النبوة، حتى لو ادَّعى الولي النبوة صار عدوًّا لله، لا يستحق الكرامة، بل اللعنة والإهانة (١).

والاستدراج: ما يجريه الله عزَّ وجلَّ لبعض الدجّالين، كالدجّال الأكبر، فقد ثبت في الأحاديث الصحيحة عدَّة عجائب تقع معه، وذلك فتنة وابتلاء وامتحان واختبار من الله عزَّ وجلَّ لخلقه, ليمتاز المؤمن الموقن عن علمٍ ومعرفةٍ من غيره، فإن المؤمن الموقن عن علمٍ ومعرفةٍ يميِّزُ ما هو حجة حقيقية يرتضيها الشرع والعقل، وما ليس كذلك، فتلك العجائب لا تخدش في يقينه؛ للبراهين القاطعة على كذب الدجال، فيعلم المؤمن حينئذٍ أن تلك العجائب من قَبِيل الاستدراج. وأما غيره فإن العجيبة عنده [٦٤] هي أقوى الحجج، فإذا رآها خضع لها، والعياذ بالله تعالى.

فإن قيل: فما الفرق بين المعجزة والاستدراج، حيث قلتم: إن المعجزة توجب العلم اليقينيَّ بصدق صاحبها، وأن الاستدراج لا يدل على صدقه، بل قد يدلُّ على كذبه؟

قلت: قد تولّى الإمام الغزالي رحمه الله وغيره من علماء الأمة بيانَ الفرق.

وحاصله: أن المعجزة إنما تفيد الصدق بمعونة القرائن، مثل أن تكون سلسلة النبوة لم تختم، وأن يكون مدَّعي النبوة محمود السيرة، وألّا يأتي بما يكذبه العقل تكذيبًا قاطعًا, ولا يأتي بما يكذب خبرًا ثابتًا عن الله عزَّ وجلَّ ثبوتًا قطعيًّا، وأن يكون عامّة ما يأتي به مما تتضافر الفطر والعقول والشرائع على الشهادة بأنه حق، إلى غير ذلك؛ بخلاف الاستدراج فإنه يصحبه براهين قطعية على كذب الدجّال إذا ادّعى دعوى يستشهد عليها بالعجيبة، فأما إن لم


(١) شرح المقاصد ٢/ ٢٠٣. [المؤلف]