للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قيل: فإن مشروعيَّة التنفُّل حينئذٍ تُنافي وجود فيحِ جهنَّم في ذلك الوقت في يوم الجمعة، وكونُه هو العِلَّة في الأمر بالإبراد، ولاسيَّما عند مَن حمل الأمر بالإبراد على ظاهره من الوجوب.

فالجواب: أنَّنا نختار مذهب الجمهور أنَّ الأمر بالإبراد إنَّما هو للنَّدب؛ لما هو مقرَّرٌ في محلِّه. والفرق بينَه وبين السَّجْر ما تقدَّم، فتكون مخالفته خلافَ الأولى فقط.

ثم نقول: إنَّ العِلَّة التي هي تنفُّس جهنَّم حينئذٍ عارضها يوم الجمعه ما هو أقوى منها، وهو عِظَم تجلِّي الرَّحمة. فانتفت خلافيَّة الأولى، وثبَت الندب بدليله المتقدِّم.

فإن قلت: فقد ثبت بهذا مقصودنا من عدم مشروعيَّة الإبراد بالجُمعة.

فالجواب: أنَّنا نقول: إنَّ إبراده - صلى الله عليه وآله وسلم - بالجمعة لم يكن لهذه العِلَّة، وإنَّما هو لعِلَّة أخرى؛ وهي: كراهيةُ أن يشقَّ على أصحابه؛ باجتماعهم، وتزاحمهم، وتضايقهم في ذلك العريش في وقت شِدَّة الحَرِّ.

فإنْ قلْتَ: فإنَّ مشروعيَّة التبكير يوم الجمعة تنافي ذلك.

فالجواب: ما مرَّ من أنَّ التبكير يختلف باختلاف الأوقات، ففي وقت البرد يكون آخر الساعات حين الاستواء، وفي أوقات الحرِّ يكون آخر السَّاعات حين إقبال الفيءِ.

سلَّمنا أنَّ التبكير لا يختلف، بل هو على القسم الأوَّل مطلقًا؛ ولكنَّا نقول: فههنا عِلَّةٌ أخرى، وهي حرصُه - صلى الله عليه وآله وسلم - على أنْ يَعِيَ أصحابُه موعظتَه، ويكون خشوعهم في الفريضة على أتمِّ الأحوال. وهذا ممَّا يمنع عنه اشتدادُ الحرِّ، فلذلك أبرد.