للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فتبيَّن أنَّ حديث ابن عمر يردُّ على مَن زعم أنَّ حُكْم الجمعة حُكْم الظُّهر، ويدلُّ على أنَّه لا قبليَّة للجمعة، فتأمَّل.

وممَّا يؤيِّد ذلك: ورود الأمر بالصلاة بعد الجُمعة، وهو حديث أبي هريرة ــ عند مسلم (١) ــ قال: قال: رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إذَّا صلَّى أحدكم الجُمعةَ فليُصَلِّ بعدها أربعًا»، وفي رواية: «فإن عَجِلَ بك شيءٌ فصلِّ ركعتين في المسجد وركعتين إذا رجعت».

فقد فُهِم من هذا الحديث نفيُ قبليَّة الجُمعة، إذ لو كانت لذُكِرَتْ، وليس هذا عمدتنا في ذلك.

وظاهر من هذا الحديث أن هذه الأربع مؤكدة، بل ظاهره كما قال بعضُهم الوجوب، لولا أن في الرواية الأُخرى (٢): «من كان منكم مصلّيًا بعد الجمعة فليصلِّ أربعًا».

وهذا بخلاف بعديَّة الظهر، فإنَّ المؤكَّد منها ركعتان فقط. ولا ينافي تَأَكُّدَ الأربعِ حديثُ ابن عمر السابق في اقتصاره - صلى الله عليه وآله وسلم - على ركعتين؛ إذ قد يُقال: إنَّ الأربع تتأكَّد في حق المأمومين كما يقتضيه الأمر، ولا تتأكَّد في حق الإمام، لأنَّه قد حصل له مزيد الأجر بنصبه في الخطبة بخلافهم.

وليس لقبليتها حديث صحيح، بل الأحاديث تُفيد عكسَ ذلك كما مرَّ. وبهذه الدلائل يُخصَّص عموم حديث ابن حبان (٣): «ما من صلاةٍ مفروضةٍ إلَّا وبين يديها ركعتانِ»، كما سيأتي إن شاء الله.


(١) رقم (٨٨١).
(٢) «صحيح مسلم» (٨٨١/ ٦٩).
(٣) في «صحيحه» (٢٤٥٥، ٢٤٨٨) من حديث عبد الله بن الزبير. وإسناده قوي.