فالجواب: أنَّه فهم أنَّ الاستفهام على بابه، ولذلك أعاد النَّبي صلى عليه وآلِهِ وسلَّم الأمر صريحًا، فتأمّل.
فإنْ أبيت إلَّا أنْ تجعل المعنى: أصَلَّيت قبل أن تجيء، فقد حمله أبو شامة على أن المراد: قبل أن تجيء إلى هنا من مؤخر المسجد. ومع هذا فقد قال الحافظ المزي وابن تيمية: إن هذه الكلمة «تجيء» تصحفت في «سنن أبي داود»، والصواب:«قبل أن تجلس». وردَّه بعض المعاصرين، فإن بعض المتقدمين إسحاق بن راهويه أو غيره بنى عليها مذهبه، فقال في تحية المسجد: إن كان الرجل قد صلَّى في بيته فلا يُصلِّها، وإلَّا فليصلِّها.
وهذا الجواب قوي إن صحَّ النقلُ، ولكن ذلك لا يفيد القائلين بقبلية الجمعة شيئًا، لما مرَّ إيضاحه، ولله الحمد.
وعلى كل حالٍ فلا يمكن أن يكون المراد قبليَّة للجمعة؛ لأنَّ الأدلَّة الصريحة قد قامت على أنَّ الجمعة لا قبليَّة لها؛ لما مرَّ آنفًا من أنَّ محلَّ القبليَّة بعد دخول الوقت، وبين الأذان والإقامة. وقد عُلِمَ أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وآله وسلم - كان يخرج أوَّل دخول الوقت ــ إن لم يكن قبله ــ عامدًا إلى المنبر، فيؤذِّن المؤذِّنُ، فيقوم النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - للخطبة. وليس بين خروجه - صلى الله عليه وآله وسلم - وبين فريضة الجمعة إلَّا الخطبتان، والصَّلاة حينئذٍ حرامٌ إلَّا ركعَتَي التَّحيَّة.
فكيف تكون للجمعة قبليَّة ويكون أداؤها في وقتها الذي هو أول الوقت