للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ليس معهم كثير من القرآن، ولهم مع ذلك رغبة في القيام؛ لتمكُّنِهم في الإسلام، ووُجِد في شبّان أهل المدينة جماعة لا يَنْشَطون للقيام الطويل في البيوت، فكان جماعة من الفريقين يقومون في المسجد: مَنْ كان معه قرآن قام وحدَه، ومن لم يكن معهم التمسوا من بعض القرَّاء أن يؤمَّهم، يرون أن لهم أسوةً بمن كانت حاله في العهد النبوي شبيهةً بحالهم. ولكثرة هؤلاء واستمرار عذرهم استمرَّ قيامهم في المسجد في جميع ليالي رمضان، ولم ينكر عليهم أحد من الصحابة، فكان في ذلك حجة على صحّة اجتهادهم، وعلى أنه لو اتّفق مثلُ ذلك في العهد النبوي لما أنكره النبي - صلى الله عليه وسلم - .

وبهذا خرج ذاك العمل المتصل عن البدعة. فإنه إذا قام الدليل على أن الحكم مشروع، وتُرِك في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - لعدم مقتضيه، ثم وُجِد المقتضي بعده؛ فالعمل به حينئذٍ سنةٌ لا بدعة. فلمّا شاهد عمر رضي الله عنه حالَهم عرفَ عذرَهم، وصوَّبَ اجتهادَهم، لكنه رأى أنه قد نشأ من عملهم مفاسدُ، منها: ظاهرة التفرّق والتحزُّب التي يكرهها الشرع، ومنها: تشويش بعضهم على بعض.

وفي "مسند أحمد" (١) و"سنن أبي داود" و"المستدرك" وغيرها (٢)، بسندٍ على شرط الصحيحين "عن أبي سعيد الخدريّ، قال: اعتكف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المسجد، فسمعهم يجهرون بالقراءة، وهو في قُبّةٍ له، فكشفَ


(١) ج ٣ ص ٩٤ [المؤلف].
(٢) أخرجه أحمد (١١٨٩٦) وأبو داود (١٣٣٢) والنسائي في "الكبرى" (٨٠٩٢) وابن خزيمة (١١٦٢) والحاكم (١/ ٣١٠، ٣١١) والبيهقي في "السنن الكبرى" (٣/ ١١). وصححه الحاكم. وهو حديث صحيح.