للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الستورَ، وقال: "ألا إن كلَّكم مناجٍ ربَّه، فلا يُؤذِينَّ بعضُكم بعضًا، ولا يرفعنَّ بعضُكم على بعضٍ [ص ٩] بالقراءة ــ أو قال: في الصلاة ــ".

هؤلاء كانوا ــ والله أعلم ــ ممّن المسجدُ بيته: معتكفين، أو من أهل الصّفّة، أو من الفريقين. وكانوا يُصلُّون فُرادى، ويجهرون بالقراءة، فيُشَوِّشُ بعضُهم على بعضٍ، فأرشدهم - صلى الله عليه وسلم - إلى المخافتة.

ولا يجيء مثل هذا في القائمين بالمسجد في عهد عمر؛ لأن كثيرًا منهم كانوا يُصلّون جماعاتٍ؛ ليسمع المأمومون القرآن، كما تقدم، فلو أُمِروا بالمخافتة لفات المقصود من تلك الجماعات كما لا يخفى.

ومنها: أن بعضهم كانوا يتحرَّون الاقتداء بمن يُعجِبهم صوتُه، وإن كان غيره أقرأَ منه وأجدرَ أن يُقْتَدى به.

أنكر عمر رضي الله عنه ــ بحقٍّ ــ هذه المفاسد، ولم يجد ما يدفعها بدون إخلالٍ بالمقصود إلّا أن يجمعهم على إمامٍ واحد، مقدِّرًا أنه لو اتفق مثل ذلك في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - لأمر بذاك.

وبهذا خرج العمل عن أن يكون بدعة، كما يُعْلَم ممّا مرّ.

فأمّا ما في "صحيح البخاري" (١) من قول عمر: "نِعْمتِ البدعةُ هذه، والتي ينامون عنها أفضل"= فإنّما أراد البدعة لغةً، على أنّ في "طبقات ابن سعد" (ج ٥ ص ٤٢) (٢) بسندٍ صحيح عن نوفل بن إياس الهذلي قال: كنا نقوم في عهد عمر بن الخطاب فِرَقًا في المسجد في رمضان، ههنا وههنا،


(١) رقم (٢٠١٠).
(٢) (٧/ ٦٣) ط. الخانجي.