وإبراهيمُ قد يعدُّ ذاك العزم بمثابة النذر، ويحزُّ في نفسه أن لا يفي به، وإن لم يكن مأمورًا به. فمِنْ هنا ــ والله أعلم ــ طيَّب الله عزَّ وجلَّ نفسه بالفدية.
وقد استنبط بعض الفقهاء من الآية أنّ من نذر ذبح ابنه كان عليه أن يذبح شاةً.
ورُدَّ بأن إبراهيم نذر مباحًا في شريعته، وليس بمباحٍ في شريعتنا.
والاستنباط لطيف، والردُّ صحيح.
وقد تعرَّض لهذا المعنى في قصة إبراهيم بعضُ أهل العلم، فردّه بعضهم بتشنيعٍ لا حقيقة له (١)، بل يلزمه مثله أو أشدّ منه في دعوى النسخ التي ارتكبها.
ومَنْ اعترف في المجمل الذي له ظاهر بجواز تأخّر بيانه إلى وقت الحاجة، لزمه أن يجيز مثل ما قلناه في المسألتين وأشدَّ منه، ولو لم تظهر حكمة فكيف يأباه هنا مع ظهور الحكمة البالغة؟ !
فأما من ينكر تأخير البيان مطلقًا، فالكلام معه مبسوط في كتب الأصول.
فإن قيل: لماذا لا يجوز النسخ مع وجود الفائدة للتكليف، بأنْ يكون الله تعالى أمر إبراهيم بذبح ابنه ابتلاءً، فلما تبيَّن امتثاله واستعداده وعزمه الصارم
(١) انظر "أحكام القرآن" للجصاص (٣/ ٣٧٧) والردّ عليه في "أحكام القرآن" للكياالهراسي (٤/ ٣٥٨). وراجع "أحكام القرآن" لابن العربي (٤/ ١٦١٩) و"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (١٥/ ١١١).