للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رأى ــ والله أعلم ــ في نومه أنه مُضْجِعٌ ابنَه يُعالج ذبحَه، أي: يُمِرُّ الشفرة على عنقه، معتمدًا عليها، شأنَ القاصد قطعَ العنق وإبانة الرأس. هذا ــ والله أعلم ــ هو الذي رآه، وهو معنى قوله: {أَنِّي أَذْبَحُكَ}. وعلم إبراهيم أن الله تعالى أمره [ص ١٤] أن يفعل ذاك الفعل، وهذا حقّ، وفهم أيضًا أنه ــ بمقتضى العادة ــ إذا فعل ذاك الفعل قُطِع عنق ابنه، وبان رأسُه، ومات.

ولم يُرِد الله عزَّ وجلَّ هذا، ولا أمر به، ولكنه سبحانه أراد أن يكون الأمر بحيث يَفْهَم إبراهيم منه هذا؛ ليكون ذلك ابتلاءً لإبراهيم وابنه، حتى إذا عزما وعملا العملَ المرئيَّ في النوم ــ الذي عندهما أنه موجب لموت الابن ــ كان لهما ثواب مَنْ قَبِل تلك النتيجة، وقام بها طاعة لله عزَّ وجلَّ.

فلمّا أطاعا لذلك، وعمل إبراهيم مثل العمل الذي رآه في نومه، وأخذ يكُدُّ الشفرة لتقطع، ويكفّها الله عزَّ وجلَّ عن القطع، كما كفَّ النار عن الإحراق، ولم يزل إبراهيم يكُدُّ الشفرة ولا تَقْطع حتى ناداه الله عزَّ وجلَّ: {أَنْ يَاإِبْرَاهِيمُ (١٠٤) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا}. أي: قد جئت بمصداقها كاملًا، وهو تلك المعالجة؛ فإنه إيّاها رأى (١) في نومه، ولم ير ما يزيد عنها.

فعلى هذا لا نسخَ في القصة البتةَ.

فإن قيل: ربما يدفع هذا قوله: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ}، فإنه إذا لم يؤمر في نفس الأمر إلّا بالمعالجة التي وفَى بها، فقد وفَى بها، فلماذا الفدية؟

قلت: كان إبراهيم قد عزم على قطع العنق، وإبانة الرأس، وإماتة ابنه،


(١) في اليمنية: "فإنه رأى إياها".