للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أقام إبراهيم وإسماعيل ــ عليهما السلام ــ البيتَ على الطهارة بأوفى معانيها؛ فالأمر بتطهيره أمرٌ بالمحافظة على طهارته، وأن يُمنَع ويُزال عنه كلُّ ما يخالفها.

وقوله: {لِلطَّائِفِينَ ... } الآية، يدلُّ على أنّه مع أنّ التطهير مأمورٌ به لحرمة البيت، فهو مأمورٌ به لأجل هذه الفِرَق ــ الطائفين والعاكفين والقائمين والرُّكع السجود ــ لتؤدِّي هذه العباداتِ على الوجه المطلوب.

وهذا يبيّن أن "التطهير" المأمورَ به لا يَخُصُّ الكعبة، بل يَعُمُّ ما حواليها، حيث تُؤدَّى هذه العبادات، وأنّ في معنى التطهير إزالةَ كلِّ ما يمنع من أداء هذه العبادات، أو يُعسِّرها، أو يُخِلُّ بها، كأن يكون في موقع الطواف ما يَعُوق عنه؛ من حجارةٍ أو شوكٍ أو حُفَر.

فثبت الأمر بأن يُهيَّأَ ما حول البيت تهيئةً تمكِّن الطائفين والعاكفين والمصلِّين من أداء هذه العبادات بدون خلل ولا حرج.

لم يُحدّد الشارع ما أمر بتهيئته حول البيت بمقدارٍ مسمًّى، لكن لمّا أمر بالتهيئة لهذه الفرق على الإطلاق عُلِم أنّ المأمور به تهيئةُ ما يكفيها ويتّسع لهذه العبادات مع اليُسر.

فلمّا كان المسلمون قليلاً في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ، كان يكفيهم المسجد القديم.

نعم كثُر الحُجّاج في حجّة الوداع، لكن لم يكن منتظرًا أن يكثروا تلك الكثرة، أو ما يقرب منها في السنوات التي تليها، وكانت بيوت قريش ملاصقةً للمسجد، لا تمكن توسعته إلا بهدمها، وهدمُها يُنفِّرهم، وعهدهم