وأَمّا ما تقدَّمَ عن مجاهدٍ:"كانَ المَقامُ إِلى جَنْبِ البيتِ، وكانوا يخافونَ عليه من السيولِ، وكانَ النَّاسُ يصلّونَ خلفَه"، ثمَّ ذكرَ قصّةَ عمر والمطَّلب، ولم يَسُقِ الفاسيُّ لفظَها، ــ كما تقدّمَ ــ: فالجمعُ بينَ هذا وبينَ ما صحَّ عن مجاهدٍ ــ ونَقَلَهُ ابنُ كثيرٍ وابنُ حجرٍ عن "مصنّفِ عبد الرازق" ــ وبقيّة الأَدلّةِ وطُرُقِ القصَّةِ: أَنَّ المَقامَ كانَ إِلى جَنْبِ البيتِ، فأَخَّرَهُ عمرُ، فخافوا عليه من السيولِ، فقدَّرَهُ المُطَّلِبُ.
وهذا هو المفهومُ من روايةِ ابن أبي حاتمٍ (١)، عن ابن أَبي عمر، عن ابن عُيينةَ.
والذي يظهرُ: أَنَّ المَقامَ لمّا كانَ بجنبِ الكعبةِ أَوَّلًا كانَ بمأْمَنٍ من السيلِ؛ إِمّا لأَنّه كانَ قد نَشِبَ في الأرضِ إِذ لم تكنْ مُبلَّطةً، وإمّا لغيرِ ذلك، فلمّا حوَّلَه عمرُ رضي اللهُ عنه رأى المُطَّلِبُ أَنّه أَصبحَ عُرضةً للسيلِ.
قد تقدَّمَ في الفصلِ السابقِ بيانُ ارتباطِهِ بالسَّمْتِ الخاصِّ الذي كانَ عليهِ وهو عندَ الكعبةِ، وأُبقي عليه عندَ تحويلِهِ.
وتقدَّمَ بيانُ مزيّةِ ذاك السَّمْتِ وسببِها، وهو يَقْتَضي أَنْ يكونَ قَدْرُ ذاكَ السَّمْتِ موقفَ رجلٍ واحدٍ، وهو مقدارُ طولِ المَقام.
فكأنَّ المَقامَ ــ مع مزيّتِهِ ــ علامةٌ محدَّدةٌ لذاكَ السَّمْتِ، عَلَّمَ المطّلبُ هذا، أَو رأى احتياطَ عمرَ رضيَ اللهُ عنه عند تحويله المقامَ للمحافظةِ على