وكذلك لمّا حوَّلَ المَقامَ على السَّمْتِ، بقيَ السَّمتُ معلومًا على التحديدِ بالمقامِ نفسِهِ، لكنْ إِذا جَرَفَ السيلُ المقامَ، وعَفَّى موضعَه، ولم يكنْ هناك تقديرٌ محفوظٌ: أَشكلَ تحديدُ السَّمْتِ. وكثرةُ رؤيةِ النَّاسِ للمَقامِ في الموضعين لا تضمنُ معرفةَ التحديدِ يقينًا.
واعتبِرْ ذلك إِنْ شئتَ في منزلِك: اعْمِدْ إِلى صندوقٍ مثلًا باقٍ منذُ مدّةٍ في موضعٍ واحدٍ إِلى جنبِ جدارٍ مع خُلُوِّ ما عن يمينِه ويسارِهِ، قد شاهدَهُ عيالُك مرارًا لا تُحصى، فَقَدِّرْ في غَيْبَتهم موضعَه بخيطٍ مثلًا، ثمَّ حوِّلْه إلى موضعٍ آخرَ غيرِ مُسامِتٍ للأَوَّلِ، واكْنِسْ موضعَه، ثمَّ ادْعُهُم واطْلُبْ منهم تحديدَ موضعِه الأَوَّلَ، وانظر النتيجةَ.
من الجائزِ أَنْ يكونَ قد اتفقَ لبعضِهم الانتباهُ لعلامةٍ خاصّةٍ تبقى في الأرضِ أَو الجدارِ، لكنْ هذا احتمالٌ فقط.
لهذا ــ واللهُ أَعلمُ ــ قدَّرَ المطَّلِبُ موضعَ المَقامِ.
ولهذا سألَ عمرُ رضي اللهُ عنه النَّاسَ وأَخذَ بتقديرِ المُطَّلِبِ.
هذا ما ظهرَ لي في توجيهِ ما اتَّفَقَتْ عليه رواياتُ قصّةِ المُطَّلِبِ على وجهٍ يوافقُ حديثَ عائشةَ رضي الله عنها، وقولَ أَئمّةِ مكّةَ، مع بُعْدِ أَنْ يكونَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - هو الذي حوَّلَهُ ولم يُنقَل ذلك، ولا عرفه أئمةُ مكة.
على أنه لو ترجَّح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - هو الذي حوَّله لكانت الحجّةُ لاختيارِ تأخيرِهِ الآنَ بحالها، بل أَقوى.