للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وحديث الأنصارية التي قالت في عثمان بن مظعون بعد وفاته: فشهادتي عليك لقد أكرمك الله، فقال النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «وما يدريكِ أن الله أكرمه؟ » الحديث. وفيه: «والله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل به» (١).

وفي مسند أحمد وغيره عن شقيق، ومسروق، عن أم سلمة قالت: سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم يقول: «إن من أصحابي مَنْ لا يراني بعد أن أفارقه»، فبلغ عمرَ رضي الله عنه، فجاء عمرُ فدخل عليها فقال لها: بالله منهم أنا؟ فقالت: لا، ولن أبرِّئ أحدًا بعدك (٢)] (٣).

[٧٨] وبالجملة، الأدلة في هذا كثيرة، وحاصلها: النهي عن القطع، فأما الظن وما يتبعه من الثناء المبني على الظاهر بدون نصٍّ على القطع، فلا حرج فيه. وإذا ظننا في إنسان أنه وليٌّ لله تعالى بما ظهر لنا من علمه وعمله، واستقامته على الصراط الشرعي؛ فلا يلزم من ذلك أن نجعل قوله حجة؛ لأن ولايته لم تثبت بالقطع، ولو ثبتت فهي لا تقتضي العصمة.

وقد سئل الجنيد: أيزني العارف؟ فسكت قليلًا، ثم قال: {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا} [الأحزاب: ٣٨] (٤).

وهب أننا ظننا برجل أنه معصوم أو كالمعصوم، فإنما ذلك عن التعمُّد، فأمَّا عن الخطأ فلا شبهة في عدم عصمته؛ إذ لا تمنعه تقواه وورعه أن يخطئ


(١) البخاريّ، كتاب الشهادات، باب القرعة في المشكلات، ٣/ ١٨٢، ح ٢٦٨٧. [المؤلف]
(٢) المسند ٦/ ٢٩٠، وص ٢٩٨، وص ٣٠٧، وص ٣١٢، وص ٣١٧. [المؤلف]
(٣) ما بين المعقوفتين رأينا عليه خطًّا معترضًا، يحتمل أن يكون للضرب عليه.
(٤) انظر: الرسالة القشيرية ص ١٨٧.