للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فيقول أو يعمل ما يظنه حقًّا وهو في نفس الأمر باطل. وكذلك لا يمنعنا اعتقاد أنه أخطأ مِنْ حُسْنِ الظن به، وظنِّ أنه كان صالحًا فاضلًا أو وليًّا لله عزَّ وجلَّ؛ فإن المجتهد إذا أخطأ لم يأثم، بل هو مأجور، كما ورد في الحديث (١)، وأشار إليه القرآن في قصة داود وسليمان، فقال تعالى: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} [الأنبياء: ٧٩].

واعلم أن كثيرًا من مسائل العقائد لا تخرج عن هذا؛ فإن كثيرًا من الأعمال والأقوال يُعَدُّ كفرًا، ومع ذلك يُنْقل شيء منه عن بعض الأكابر، ولا يمنع ذلك من اعتقاد فضلهم وصلاحهم وولايتهم؛ فإن إنكار آية من القرآن كفر، ومع ذلك فقد قال ابن مسعودٍ رضي الله عنه: إن المعوذتين ليستا من القرآن، ولم يقدح ذلك في جلالته، لما كان له من العذر. وأمثلة ذلك كثيرةٌ، لعلَّنا نفرد لها فصلًا، وقد قدَّمنا (٢) ما يتعلَّق بهذا.

وحاصله: أنه ليس كل ما ثبت في العمل أنه كفر أو شرك ثبت أن كلَّ مَنْ عَمِله يكون كافرًا أو مشركًا، بل ربما يكون العمل كفرًا أو شركًا ويكون بعضُ عامليه من أولياء الله عزَّ وجلَّ؛ لأنه كان معذورًا في عمله.

وبهذا يندفع عنك ما تتوهَّمه؛ إذ تقول لك نفسك: لو كان هذا كفرًا أو شركًا لكان فلان وفلان وآبائي ومشايخي كفارًا، وأنت لا تستطيع أن تتصوَّر ذلك, وبهذا التوهم تتجنَّب النظر إلى الأدلة بالعدل والإنصاف.


(١) أخرجه البخاري في كتاب الاعتصام, باب أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ, ٩/ ١٠٨, ح ٧٣٥٢. ومسلم في كتاب الأقضية, باب بيان أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ, ٥/ ١٣١, ح ١٧١٦, من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه.
(٢) في ص ١٣٢ - ١٤٧.