وقد غلط كثير من الناس فصاروا إذا ظهر لهم في أمرٍ أنه كفر تعدَّوا الحدود وأعلنوا بتكفير جماعة من أئمة الدين والأولياء الصالحين، وهذه حماقة شيطانية.
نعم لا يلزم من عذر بعض العاملين أن يُعْذَر جميعهم؛ فإن للعذر شرائط، فلا يخدعنَّك الشيطان، فتقول: إذا كان أولئك معذورين فأنا معذور على فرض أن هذا العمل كفر أو شرك؛ فإنك إنما تعذر إذا بحثت وحقَّقْت وبذلت وُسْعَك ثم تبيَّن لك أنه ليس ذلك العمل بكفر ولا شرك، بشرط أن تكون أهلًا للبحث والنظر، وإلَّا فإنه يتعين عليك الاحتياط.
ولعلَّنا نوضح هذا المعنى, وإنما قدَّمنا هنا الإشارة إليه مخافة أن يمنعك التوهُّمُ المذكور عن النظر في رسالتنا هذه نظر الطالب للحقِّ من حيث هو حقٌّ. والله الموفق.
وأنت خبير أن سادة الأولياء هم الصحابة رضي الله عنهم، ولم يُجْعَل قولُ أحد منهم حجة كما تقدَّم.
وكثيرًا ما نجد المنسوبين إلى الولاية يختلفون فيما بينهم، ويخطِّئ بعضهم بعضًا، وقد يَنْسُبُ كلٌّ منهما رأيَه إلى الكشف، وقد يقول أحدهم قولًا ينسبه إلى الكشف ثم يرجع عنه، وينسب رجوعه إلى الكشف أيضًا، وفي ذلك دلالة على أن الكشف يخطئ. وفي أبيات لابن عربي (١):
واعتصم بالشرع في الكشف فقد ... فاز بالخير عُبيدٌ قد عُصِم
(١) نقلها الآلوسيُّ في روح المعاني (١/ ١٤١ - ١٤٢) عن الفتوحات لابن عربيّ. وستأتي بقيَّة الأبيات في ص ٣٠٧.