وأمّا حدسه "أنّ المسعى كان عريضًا فبُنِيَت فيه الدور"، فيَخْدِش فيه أنّ المسعى لو كان محدّدًا لبعُدَ أن يجترئ الناسُ على البناء فيه، ويُقِرّهم العلماء والأمراء، حتى يشتري المهدي منهم تلك الدور بأغلى الأثمان.
ثم على فرض صحة هذا الحدس فلم يُجعل المسعى أوّلًا عريضًا إلا لترقُّب أن يكثر الناس فلا يسعهم ما دونه، وعلى هذا فقد كان يجب أن ينكر أهلُ العلم فعل المهدي، قائلين: إنّ هذا الذي أبقيتَ، وإن كان يكفي الناسَ الآن، فقد يكثرون فيما بعد ويضيق بهم، [ص ٥] ولا يمكن أن يرد إليه هذا الذي تريد إدخاله في المسجد كما يمكن هدم الدور؛ لأنّه لا يمكن إزالة حكم المسجد ولا جَعْلُه مسجدًا ومسعى معًا؛ لأنّ كلًّا منهما يختصّ بحكم، فالحائض ليس لها أن تلبث في المسجد؛ ولها الّلبث في المسعى، فلو طافت المرأة للإفاضة طاهرًا، وبقي عليها السعي فحاضت عقب الطواف، أمكنها أن تسعى في المسعى وتُتمّ نُسكَها وتسافر، ولا يمكنها ذلك في المسجد، إلى غير ذلك من الأحكام.
فلو صحّ حَدْس القطبي لدلّ إقرار أهل العلم له على أنّهم يرون جواز توسعة المسعى من الجانب الآخر، فيرون أنّه إذا ضاق ما أبقاه المهدي من المسعى بالناس أمكن توسعة المسعى من الجهة الأخرى، فهذا أيضًا يدلُّ على جواز التوسعة كما ترى.
وقد يقال بناءً على حَدْس القطبي: لعل أهل العلم إذ ذاك علموا أنّ المسعى في الأصل حَصَرَ جميعَ ما بين الصفا والمروة، وأنّه لا يمتنع البناء فيما زاد على الحاجة، فإذا زادت الحاجة هُدِم من الأبنية ما تُوفي به الحاجة، فعلى كلّ حال لا بدّ من التوسعة عند الحاجة.