للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فاقْتادُوا رواحلَهم حتى خرجوا منه، فصلَّى بهم (١).

ويردُّ هذا أن الخروج إنما كان لمصلحة الصلاة، لا لكراهية الكون في الوادي، فقد باتوا فيه وناموا. وأيضًا فلم يُسرِع، ولا أمرهم بالإسراع في خروجهم.

الثاني: أن النصارى كانوا يقفون بمُحسِّر، فأوضعَ النبي - صلى الله عليه وسلم - مخالفةً لهم. وكأنّ هذا مأخوذ مما رُوِي أن عمر قال وهو يُوضِعُ:

إليك تَعْدُو قَلِقًا وَضِينُها

مُعترِضًا في بطنِها جنينُها

مخالفًا دينَ النصارى دينُها (٢)

ولا يخفى أن هذا لا يدلُّ على أن النصارى كانوا يقفون بمحسِّر، ويكفي في معنى البيت مخالفةُ النصارى في شركهم وعدمِ حجِّهم. وأيضًا فلو ثبت أنهم كانوا يقفون به فالمخالفةُ تحصلُ بعدم الوقوفِ، فلا تقتضي الإسراعَ.

الثالث: أن المشركين كانوا يقفون به يتفاخرون بآبائهم. وكأن هذا مبنيٌّ على الذي قبله، ولكن لما كانت دعوى وقوف النصارى لا سندَ لها أبدلوا بالمشركين، لأنه قد رُوِي ما يُشبه ذلك (٣) في تفسير قوله تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا} [البقرة: ٢٠٠].


(١) أخرجه مسلم (٦٨٠) وغيره من حديث أبي هريرة.
(٢) أخرجه الشافعي في "الأم" (٣/ ٥٥٢) وابن أبي شيبة في "المصنّف" (١٥٨٨٩، ٢٦٥٦٤). والأبيات بلا نسبة في "اللسان" (قلق، وضن).
(٣) انظر ما رُوي في هذا الباب في "الدر المنثور" (٢/ ٤٤٤ ــ ٤٤٦).