للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويردُّه أنه إذا كانت الآية تشير إلى ذلك فإنها تشير إلى أن ذلك كافٍ عند قضاء المناسك، وأكثر الروايات توافق ذلك، وأنهم كانوا يتفاخرون بمنى، وفي بعضها: عند الجمرة، وفي بعضها: يوم النحر. وليس في الروايات ذِكرٌ لمُحسِّر. وأيضًا فمخالفتهم في ذلك لا تقتضي الإسراع.

الرابع: وهو المشهور أن وادي مُحسِّر موضعٌ نزل به عذاب، قال ابن القيم في "الهَدْي" (١): "فلما أتى بطنَ محسِّر حرَّك ناقته وأسرعَ السير، وهذه كانت عادتَه في المواضع التي نزلَ فيها بأسُ الله بأعدائه، فإنَّ هنالك أصاب أصحابَ الفيل ما قصَّ الله علينا، ولذلك سُمِّي ذلك الوادي وادي مُحسِّر، لأن الفيل حَسُرَ فيه، أي أعيا وانقطع عن الذهاب. وكذلك فعلَ في سلوكه الحِجْرَ وديارَ ثمود، فإنه تَقنَّع بثوبه وأسرع السيرَ (٢)، ومُحسِّر برزخ ... ". وسيأتي بقية عبارته.

وهذا القول مقبول، وشاهده ــ وهو الإسراع في أرض ثمود ــ منقول، ووَجِيهٌ أن يُكرَه الكونُ بمنازل غضب الله عز وجل فوق ما لا بدَّ منه من المرور السريع، كما يُستَحَبّ الكونُ واللبثُ بمنازل بركة الله عز وجل كمكة والمدينة. ولا يَخدِشُ في هذا الوجه الوجيه أن نجهل ما هو العذاب الذي نزلَ بمُحسِّر، فإنّ ما ذكروه من أنه عذاب أصحاب الفيل، وأن الفيل حُبِسَ هناك، متعقَّب بأن المعروف في الأخبار والأشعار والآثار أن ذلك كان بالمغمَّس (٣) حذاءَ عرفة، [ص ٣] وأن الفيل حُبِس دون الحرم، لكن لا مانع


(١) "زاد المعاد" (٢/ ٢٣٦).
(٢) أخرجه البخاري (٣٣٨٠) ومسلم (٢٩٨٠) من حديث ابن عمر.
(٣) انظر "سيرة ابن هشام" (١/ ٤٧، ٤٨) و"تاريخ الطبري" (٢/ ١٣٢).