للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإنما المعنى أن الناس كانوا مأمورين أن يعملوا بما ظهر لهم من الشريعة، وبأصل الإباحة وعدم التكليف، متَّكلِين على أن الله تبارك وتعالى يعلم بهم وبما فعلوه، فإن أخطأوا غفر لهم خطأهم، وبين لهم على لسان رسوله، كما في "صحيح البخاري" (١) عن سهل بن سعد قال: "أنزلت {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} ولم ينزل {مِنَ الْفَجْرِ}، فكان رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجلَيْه الخيطَ الأبيض والخيط الأسود، فلا يزال يأكل ويشرب حتى يتبين له رؤيتهما، فأنزل الله بعد {مِنَ الْفَجْرِ}، فعلموا أنما يعني الليل والنهار".

ويوضح هذا ما في "صحيح مسلم" (٢) عن أبي هريرة قال: "خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فقال: أيها الناس! قد فرض الله عليكم الحج فحُجُّوا. فقال رجل: أكلَّ عامٍ يا رسول الله؟ فسكت، حتى قالها ثلاثًا. فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: "لو قلت: نعم، لوجبتْ، ولما استطعتم ثم قال: "ذروني ما تركتكم، فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيءٍ فأْتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيءٍ فدعوه" (صحيح مسلم ج ٤/ ص ١٠٢).

لما كان الأصل عدم التكليف بالحج، وقوله: "قد فرض الله عليكم الحج، فحجوا" يتحقق بمرةٍ واحدةٍ في العمر، كان عليهم أن يفهموا المرة الواحدة، ويقتصروا عليه، عالمين أن الله تعالى إذا أراد كل سنة فسيُبينه لهم


(١) رقم (١٩١٧). وأخرجه أيضًا مسلم (١٠٩١).
(٢) رقم (١٣٣٧).