قالوا: فإذا قلنا: إن قوله تعالى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} إنما هو في الطلقة الأولى، فالقياس الصحيح في الثانية والثالثة أن لا تُوقَع كلٌّ منهما إلا عندما يحتاج إليها كالحاجة إلى الأولى، وإنما يحتاج إلى الثانية إذا راجع من الأولى، فيحتاج حينئذٍ إلى ثانية لحل العصمة، فيحتاط لها كما احْتِيط للأولى، فلا توقع إلا في قُبُل العدة، والمعنى حينئذٍ كما في الأولى تمامًا، ثم لا تُوقع الثالثةُ إلا عند الحاجة إليها كالحاجة إلى الأولى وإلى الثانية، وإنما يكون ذلك إذا راجع من الثانية، واحتاج إلى الطلاق، فحينئذٍ يحتاط لها كما في الأُوليين، فلا تُوقَع إلا في قُبُل العدة، والمعنى قبل إيقاعها كالمعنى في الأوليينِ تمامًا، وأما بعد إيقاعها فقد اختلف المعنى، إذ لا رجعةَ بعدها.
وأما إذا قلنا: إن قوله تعالى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} يصدق بالطلقة الأولى وبالثانية وبالثالثة ــ وإن كانت بعض الأحكام المذكورة في السياق تختصُّ بالأولى والثانية ــ فالأمر أظهر، فإن كلًّا من الثلاث تكون منصوصًا في الآية على إيقاعها في قُبُل العدة، وقد تقدم بقية الكلام.
قالوا: وأما ما تُفسِّرون به قوله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} الآيتين: أن المرة الأولى في طهرٍ لم يقربْها فيه، والثانية في الطهر الثاني، والثالثة في الطهر الثالث، فمردودٌ عليكم.
أخرج مالك رحمه الله في "الموطأ"(١) عن هشام بن عروة عن أبيه قال: "كان الرجل إذا طلَّق امرأته ثم ارتجعها قبل أن تنقضي عدتها كان ذلك