المحمل الثالث ــ ولم أرَ مَن تعرَّض له ــ: أن الإرث إذا أُطلِق في القرآن ولم يُبيَّن النصيب فالمعنى على أنه تعصيب، قال تعالى:{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ}[النساء: ١١]، فلم يبيِّن كم لهم لأنهم عصبة، ثمَّ بيَّن حكم البنات إذا انفردنَ وسمَّى نصيبهن، لأنهنَّ ذوات فرضٍ. وقال تعالى في الأخ وأخته:{وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ}[النساء: ١٧٦]، فلم يُسمِّ له نصيبًا لأنه عصبة.
إذا تقرر هذا فنقول: قال تعالى: {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ} ولم يُسمِّ لهما نصيبًا، فالمعنى أنهما عصبة، وإذا كانا عصبةً فقاعدة العصبة أن للذكر مثلَا (١) حظّ الأنثى. وأما قوله بعدُ:{فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} فالمراد ثلث التركة كما هو ظاهر، ولكن قد دلَّ كونهما عصبة على أن هذا إنما يكون حيث يبقى للأب مِثلَا ذلك، وذلك إذا لم يكن معهم أحد الزوجين. ودلَّ ذلك أنه إذا كان معهما أحد الزوجين كان الباقي بينهما، له سهمان ولها سهم.
أقول: الظاهر أن القاعدة صحيحة، ولكن بناء قوله تعالى:{وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ} عليها على النهج المذكور ليس هناك، لأنه قد سمَّى نصيبَ الأم، فلم يبقَ إلّا أن يكون الأب عصبةً، وهو متفق عليه، ولا يفيد ما تقدم.
نعم، قد يقال: إنما سمَّى نصيبَ الأمّ بعد أن استقر أنها عصبة، وذلك أنه قال:{وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ}، ولم يُسمِّ إرثهما معًا، فثبت بمقتضى القاعدة أنهما عصبة، ولا ينقضه تسميةُ نصيب الأمّ بعد ذلك.