للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والمعروف بين أهل اللغة وغيرهم أن حقَّه أن يتعدى إلى مفعولين، الأول: مَن كان له المال أو نحوه، الثاني: المال أو نحوه، على حدّ قوله تعالى: {وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ} أي: ونرِثه مالَه وولده، ولكنه قد يُترك ذِكْر أحد المفعولين لعلَّةٍ تقتضي ذلك، ولم يُفرِّقوا بين وَرِثتُه ووَرِثتُ منه ووَرِثتُ عنه. هذا هو المعروف عنهم، ولكننا نُدرِك بذوقنا أن قولك: "ورثَ زيدًا أبواه" يدلُّ على إحاطتهما بإرثه، وأنه إذا أُرِيد خلافُ ذلك قيل: "ورِثَ منه أبواه"، ونُدرِك ذلك في قولِ زكريا: {يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} وأنه أراد: يرِثني كل ما هو لي أي من العلم والإمامة في الدين ونحو ذلك، ويَرِث بعضَ ما كان لآل يعقوب.

ثم وجدتُ أهل العلم قد أدركوا ذلك في الجملة، ففي "فتح الباري" (١) ــ كتاب الفرائض: باب {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} ــ: وقال السهيلي: ومن العجب أن الكلالة في الآية الأولى من النساء لا يرِث فيها الإخوة مع البنت، مع أنه لم يقع فيها التقييد بقوله: "ليس له ولد"، وقيَّد به في الآية الثانية مع أن الأخت فيها ورثتْ مع البنت. والحكمة فيها أن الأولى عبّر فيها بقوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ}، فإن مقتضاه الإحاطة بجميع المال، فأغنى لفظُ "يُورَث" عن القيد، ومثله قوله تعالى: {وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ} أي يُحيط بميراثها. وأما الآية الثانية فالمراد بالولد فيها الذكر كما تقدم تقريره، ولم يُعبَّر فيها بلفظ "يورث"، فلذلك ورثت الأخت مع البنت.


(١) (١٢/ ٢٦). وقول السهيلي في كتاب "الفرائض وشرح آيات الوصية" (ص ٧٤، ٧٥).